[ليلى المريضة في العراق]
للدكتور زكي مبارك
- ١٩ -
طال انتظاري ولم ترجع ظمياء
وانقضى مساء وصباح، ومساء وصباح، ولم ترجع ظمياء
ومضت ثواني ودقائق وساعات وأيام وليال ولم ترجع ظمياء
وتقلبت دجلة من حال إلى أحوال ولم ترجع ظمياء
وطافت بالأشجار والأزهار والرياحين أطياف البؤس والنعيم ولم ترجع ظمياء
وطوفت بجميع المعاني، وتذوقت صنوف اللواعج، وتشوفت إلى جميع المطالع، ولم ترجع ظمياء
وتلقيت مئات الرسائل فلم تكن من بينها رسالة عطف أو اعتذار من ليلى أو ظمياء
أيكون هذا آخر العهد بليلى وظمياء؟
إني إذاً لمن الهالكين. كتب الله لوطني وأهلي جميل العزاء!
ولكن ما السبب في هذه القطيعة الباغية، وما أذكر أني أسأت أو جنيت؟
أيكون السبب تلك الكلمة الفكاهية التي داعبت بها ليلى بعد رجوعي من البصرة؟
ربما كان ذلك، فالمزاح كان ولا يزال من أشنع البليات، وما استطاع إنسان أن يجرح قلبي إلا عن طريق المزاح. والأحباب ينسون واجب الأدب فيتطاول بعضهم على البعض باسم المزاح؛ وذنبي في هذه القضية غير مغفور، لأني انقطعت لدراسة الفلسفة عدداً من السنين، وكان الظن أن أفهم أن المزاح على لطفه لا يخلو من اشواك، وقلب ليلى رقيق تؤذيه خطرات النسيم، فكيف لا يؤذيه المزاح؟
لو رجعت إلى ليلى لأحسنت الاستغفار من ذنبي، ولكن متى أرجع؟
لقد داعبتني ليلى ألف مرة فتقبلت دعاباتها بأحسن القبول، وكنت لجهلي أحسب أن ليلى سيرحب قلبها بمثل ما رحب به قلبي
فكيف أخلفت ظنوني يا منية النفس ويا روح الفؤاد؟
ما هذا؟ أنا داعبت ليلى قبل ذلك فلم تغضب، فكيف تكون الدعابة الأخيرة بداية البؤس