وقد بدأت أفهم أن كلام الجرائد والمجلات أفسد ما بيني وبين ليلى كل الإفساد فقد مضت الشهور الطوال والجرائد تهتف باسمي في الصباح والمساء وظن الأدباء العراقيون أن الفرصة سنحت لتصفية ما بيني وبينهم من حساب، وكنت أقرأ ما أقرأ وأنا أبتسم. كنت أقول: هذه يقظة أدبية واجتماعية أردّ بها ديوني إلى العراق. كنت أقول: هذه أقلام صدئت وقد حان لها حين الصقال، فليكن أدبي هو ذلك الصقال
كنت أقول وأقول، ولكن التفكير في جوهره غير سليم
ما الذي كان يمنع من دفع مفتريات بعض الجرائد والمجلات؟
ما الذي كان يمنع؟ كنت مشغولاً بواجبات ثقال تكاد تقصم ظهري. ولكن هل تفهم ليلى أني مشغول وأن لي منهجاً يفرض ألا أخرج من بغداد إلا وفي حقائبي خمسة مجلدات؟
ينبغي أن أعترف بأن مركزي بين الأطباء لم يتزعزع بسبب الأدب وحده، وإن كانت حرفة الأدب قادرة على زعزعة العروش، وإنما وقعت النكبة وتقوضت عيادتي بشارع المدابغ وعيادتي بشارع فؤاد لعدم اكتراثي بما يكتب في الجرائد، وعدم اهتمامي بما يتقول الناس
وأصل البلية أني كنت أحسن الظن بعقول بني آدم - وهذا أعظم خطأ ارتكبته في حياتي - فقد كنت أظن أن الناس يميزون بين الحق والباطل فيما يقرءون؛ وكنت أتوهم أن أكاذيب المفترين لا تضرني، فكنت أقرأ ما يكتب عني بلا اكتراث، وأقول: هذه مفتريات ليس لها أساس، وما قام على غير أساس فمصيره التهدم والزوال
وظل الحال على ذلك بعض سنين وأنا أصم أذني عن الأقاويل والأراجيف إلى أن دخل عيادتي مساء يوم مريض له شأن في المجتمع، ويكفي أنه أستاذ في أحد المعاهد العالية، فلما فحصته وشخصت له المرض اطمأن واستراح، فدعوته لتناول فنجان قهوة بالمكتبة فتفضل بالقبول، وفي الناس أن يتفضلون بالقبول وأنت المتفضل عليهم بالمعروف
وفي أثناء الحديث فهمت أن زوجته عليلة وأنه كان يود أن أمضي لعيادتها لولا خوفه من كلام الناس. وبعد مراجعتها فهمت أن مركزه العلمي ولم يعصمه من تصديق كل ما يكتب