المصريون سليلة بنائية، وآثارهم في العمارة والإنشاء قبلة أنظار عناصر البشر المختلفة. . . هي فتنة العلم والفن، تكشف عن سحر عظمة مصر في زمن مضى وتولى. . . إنها توقظ الكبرياء القومية في قلوبنا وتحي الآمال في نفوسنا
حقاً قد كانوا يوجهون الجزء الأكبر من مجهودهم الإنشائي نحو القبور والمعابد لاعتقادهم البعث والنشور. . . ولكن. . . لم يكن لأدق بل ولأبسط شئون الحياة أن تجد سبيلاً للهروب من بحثهم ودراستهم وتنفيذهم. . . لذلك لم يفتهم أن كانوا العنصر البشري الأول الذي اكتشف مباني الريف من سكن ومخازن وحظائر للمواشي ومعامل للتفريخ الصناعي. . . بل وعمل على التطور بها إلى حد يشعرنا بالعظمة ويدعونا للإعجاب
لنقصر موضوعنا الآن على مسكن الفلاح. . . ولنر أولاً ماذا فعل أجدادنا به، وما هو عليه الآن، ثم ما نحن به فاعلون
أولاً - نشوء المسكن وتطوره:
فكر المصري الفطري الأول في ضرورة الاحتماء بمأوى له، فكان يجمع قطعاً من المواد الصلبة (كالأحجار وقطع الطين الجافة) على الأرض فوق بعضها البعض بشكل مخروط مفرطح ينام خلفها ليلاً لتحجب عنه تأثير هبوب الرياح
ثم وجد أنه من الأوفق أن ينام داخل هذا المأوى، واستحال عليه ذلك بهذه المواد التي يستعملها لتعذر تجويفها مع احتفاظها بالتوازن وما لبث أن قادته عقليته إلى استبدال مثل هذه المواد بمادة أخرى لينة تشبه ما يصنع منه مأوى الأعراب الآن. وبذلك تكون أول شكل للخيمة. . . ركز رأسها على فرع شجرة وشد جوانبها إلى الأرض بالحبال والأوتاد، وجعل لها باباً في اتجاه هبوب الريح
وكان تأثير هبوب الريح في هذه الحال العبث بمأواه هذا، فوضع حاجزاً من القصب أمام فتحة الباب ليكسر من حدة هذا الهبوب. تغلب بذلك على مقاومة الريح، ولكن أطفاله وحيواناته الأليفة كانت تخرج من المأوى وتضل الطريق، فعمد إلى هذا الحاجز فجعله