للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذات الثوب الأرجواني]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

(تنبيه: الكلام خيالي ولا أصل له، كما مللت أن أقول وأؤكد في كل مرة)

- ٤ -

غضبت علينا ذات الثوب الأرجواني. . . وما أعرف لي ذنباً جنيته إلا النظر، وما أحسبها تريد أن تحرم هذا علينا أو تكرهه منا. وأين المرأة التي يسوءها أن ينظر الرجال إليها ويعجبوا بها ويفتتنوا بحسنها؟ أو يسرها أن ينصرفوا عنها ولا يبالوها ولا يعنيهم أبقيت بينهم أو أمامهم، أم اختفت عن عيونهم؟ إن إتباعَ النظرةِ النظرةَ ثناء صامت. والثناء قوت المرأة - وخمرها أيضاً - وقد ترى نساء يسوءهن النظر إليهم لسبب غير راجع إلى وحي الطبيعة في نفوسهن، فيرتبكن ويضطربن، وتضيق الدنيا في وجوههن ويشق عليهم ذلك حتى ليكبر في وهمهم أنهن جنينه على أنفسهن وأثرن فضول الرجال. ولكن حتى هؤلاء لا يكرهن الثناء، بل تشرق له وجوههن، وتنشرح صدورهن، إلا إذا جاوزت الإطراء إلى ما هو خليق بسبب نشأتهن أن يزعجهن. وقد كنت مرة أتعلم الفرنسية وأتلقى دروساً فيها على فتاة أمها روسية وأبوها نمسوي، فاستغربت بعد بضعة أيام أنها تلقاني متجهمة! وبدا لي أنها تستثقل الدرس والتلميذ، فشكوت إلى صديق وقلت له: إن معلمتي لا تكف عن النفخ، وأنها طول الدرس تتأفف، وإني أريد أن أبحث عن معلمة أخرى، فلست أطيق هذا الضجر الذي لا تنفك تواجهني به. فقال: (لا تفعل). قلت: (ولكني لا أستطيع الصبر على هذه الحال). قال: (لك العذر، ولكن ضاحكها وعابثها. . . اثن على حسنها. . . غازلها برفق، أي من غير أن تخرج عن حدود الأدب). فوعدته أن أجرب ذلك، وقد كان. أقبلت عليها فأقبلت عليّ، وصارت تهش لي وتبش، وأصبحت تلميذها الأثير. وكان لي زميل يتلقى عليها دروساً في وقت آخر، وكان مثلي قبل أن يرشدني صديقي، أي أنه كان معها كأنها معلم بلحية لا معلمة مدلّة بجمالها وشبابها، فكان إذا جاء تعبس وتقول: فلينتظر! فأقول لها: (بل أخرج أنا لئلا يغضب فيضيع عليك درسه)، فتقول: (دعه يغضب. . . إنه يملني ويزهق روحي). وكان اسمه (عثمان أفندي) فصرنا - هي وصديقي الذي علمني وأنا - نطلق اسم (عثمان أفندي) على كل من نراه بليدا جامدا في حضرة النساء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>