وأعود إلى ذات الثوب الأرجواني فأقول إنها كانت راضية عني. وآية رضاها أنها ظلت أياماً لا تبدو لي إلا في ثوب أرجواني. وكنت لا أراها إلا خفيفة مرحة، وإذا بها - فجأة - تخرج إلى الشرفة في صباح فلا تكاد تراني حتى تنثني راجعة، فأعجب وأتساءل:(ما لها؟. . .) ولا أجد جواباً لسؤالي، فأهز كتفي وأقول:(سنرى)، ولكني لا أرى بعد ذلك إلا الإعراض والنفور وطول الاحتجاب، فلا يسعني إلا أن أعرض أنا أيضاً، وأن أظهر قلة المبالاة؛ فلا أفتح النافذة ولا أطل منها إذا كانت مفتوحة، ولا أنظر إليها إذا طلعت، فان في طبعي عناداً، وأنا مفطور عليه وعلى المجازفة، ولست أعرفني اكترثت للعواقب حين يستفزني شيء. وما أكثر ما أخسر بسبب ذلك. ولكني أستطيع أن أكبح ثورة نفسي ولا أستطيع أن أصرفها عن الزهد. وما عجزت قط - إلا في الندرة القليلة - عن ضبط عواطفي وصد نفسي عن الاندفاع، ولكني أراني عاجزاً عن علاج نفسي إذا انصرفت عن الشيء وحملها على الإقبال عليه مرة أخرى. وقد كانت أمي تقول إن قلبي أسود، وكانت تعني بذلك أني لا أنسى الإساءة؛ على أني لا أنسى المعروف أيضاً ولا أجحده، فأنا كما يقول ابن الرومي:(للخير والشر بقاء عندي)، وقد صدق فأنا من طينة الأرض، (والأرض مهما استودعت تؤدي). وما أساء إليّ أحد إلا نازعتني نفسي أن أنتقم منه، ولكني لا أزال أحاورها وأداورها حتى أقنعها بان الدنيا تغيرت، وأن أخلاق البدو لا تصلح في هذا العصر المتحضر، وأن الناس لا يقتل بعضهم بعضاً في هذا الزمان من أجل تمرة أو من جراء كلمة يسبق بها اللسان، حتى تسكن وتكتفي بالانصراف.
وجلست أحاسب نفسي وأسائلها عن ذات الثوب الأرجواني ما خطبها؟. ولِمَ تبدي هذا النفور؟. أتراها تتكلفه؟. ألعل أهلها قد أغلظوا لها وضيقوا عليها فرأت أن تخفف عن نفسها وتعفيها من ثقل تدخلهم بالاحتجاب؟. ألا يجوز أن يكونوا قد كرهوا مني طول النظر إليها فكلموها في ذلك فلم يسعها إلا أن تكف عن الظهور؟. جائز!! ولكن من الجائز أن أكون قد صنعت شيئاً أغضبها. . ومن الحزم على كل حال أن أعرض أنا أيضاً إلى حين، حتى تسكن الثورة التي لعلها ثارت في بيتها وبين أهلها. . ولكن من الإنصاف أيضاً أن أحاسب نفسي قليلاً. . فتعال هنا. . أخل بنفسك واجتهد أن تتذكر. .
فتذكرت. . . ذلك أني كنت يوماً في حجرتي فزارني صديق: وكان الجو حاراً جداً ففتحت