للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العبقرية علم وأدب وفن]

للأستاذ الحوماني

أمامك ما تحسبه في الطبيعة كائنا ومكيناً من عظمة وقفت عقولنا دون حدها أو تصورها، فكنا أمامها ولا نزال حائرين لا إلى الرشد كل الرشد فنتبين مصدرها، ولا إلى الجهل كل الجهل فنصدف عنها بطبعنا. لأن الحي لا يستطيع أن يفكر فيما وراء حياته. فهو يريد أن يقيس ما خفي عنه على ما بدا له، ولعل ما يبدو له هو خلاف الحقيقة التي ينشدها من وراء ما يحس إذ يمكن أن يكون ما يتراءى له اليوم حقيقة ينكشف عنه الغد خيالا، نتيجة كذب في حس أو خطأ في فكر.

وربما كان ما يأتيه العقل في يقظته وهو قيد الحواس حلماً يبدو له بعد تحرره من رق هذه الحياة الدنيا، فتكون نسبة ما نأتيه اليوم إلى ما ندركه بعد الموت كنسبة ما نأتيه في الحلم إلى ما ندركه في اليقظة.

فإذا ثبت لدينا أن في الأثر لا محالة جزءاً من روح المؤثر ثبت بداهة إن هذه النفس جزءا من القوة المسيطرة على الكون أو القائمة به ضرورة، إنها (أي النفس) إحدى جزئياته الداخلة في مفهوم كلياته.

فالإرادة كما يبدو لنا هي أول خصائص النفس وقد كانت الكنز الأولى في خزانتها ولكن هل هي الجزء الذي ينم على الفكرة التي ابتدعتها في الكون؟

قد تكون كذلك إذا ثبت لنا أنها هي جماع ما في النفس من جمال، ولكن أنّى لها أن تكون كذلك وليست هي المثل الأعلى في الإنسان بله الحيوان بداهة أن مناطها في النفس حب البقاء والسيادة والاستمتاع؟ فالمرء يريد بطبعه ألا يتناول من الخارج إلا ما يتصل ببقائه وسيطرته واستمتاعه.

فإذا كان ذلك مناطها ورأينا أن الصلاح كثيرا ما يكون في كتبتها وصدها عما تأتيه، علمنا إذ ذاك أن المثل الأعلى في النفس الذي يشير إلى حكمة الصانع الاول هو غير الإرادة.

ثم إذا استعرضنا ما تأتيه هذه الإرادة من عمل بعد تنفيذه أو في طريق هذا التنفيذ، نحس بشيء يشعرنا بصحة هذا العمل أو فساده. فما هو أذن ذلك الشيء الذي نشعر به في أنفسنا غير الإرادة؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>