للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جناية أحمد أمين على الأدب العربي]

للدكتور زكي مبارك

- ١٠ -

سنواجه الأدب الأندلسي في مقال اليوم، وهو الأدب الذي اتهمه الأستاذ أحمد أمين بالعجز عن تذوق الطبيعة، والإحساس بالوجود.

ولكن لا بد من من كلمة قصيرة نبين بها بعض الخصائص التي امتاز بها الأدب العربي ليعرف أحمد أمين ومن لف لفه من المتحذلقين كيف تفرد ذلك الأدب بالصيغة العالمية بين سائر الآداب.

أسير الآداب في العصر الحاضر هو الأدب الفرنسي والأدب الإنجليزي والأدب الألماني، ولكن هذه الآداب على عظمتها لا تزال محصورة في العبقرية المحلية. ومعنى ذلك أن أقطاب الأدب الإنجليزي إنجليز، وأقطاب الأدب الفرنسي فرنسيس، وأقطاب الأدب الألماني ألمان.

والأدب الإنجليزي حين ازدهر في أمريكا لم يكن أقطابه هناك من السكان القدماء لبلاد الأمريكان، وإنما كان أقطابه من السلالات الإنجليزية التي احتلت تلك البلاد.

والفرنسيون لا يعترفون لأهل سويسرا وبلجيكا بالتفوق في الأدب الفرنسي، ويقولون أن أدبهم لا هو لحم ولا هو سمك، على حد تعبيرهم الطريف , مع استثناء أفراد قلائل رفعتهم العبقرية إلى التفوق في لغة هوجو وميسيه ولامرتين.

أما الأدب العربي فكان حظه من اغرب الحظوظ، لأنه تغلغل في كثير من البيئات الشرقية والغربية، وانتفع بعبقريات كثيرة في مختلف الأمم والشعوب، فكان فيه أقطاب بين ناس لم تكن لهم قبل الإسلام صلة بمهد اللغة العربية من ناحية الجنس أو الدين.

وعلى ذلك يمكن القول بان الأدب العربي هو الأدب المخضرم الذي انتفع بالأجواء المختلفة من طبائع البلاد وسرائر الرجال. وقد ظهرت عبقريته في لونين من ألوان التعبير: هما العلوم الشرعية والفنون الأدبية، وما يمكن لباحث منصف أن ينكر أن الفقه الإسلامي صورة من صور التعبير الدقيق، وهو من صميم الأدب عند من يعرفون أن شرح الشرائع فرع من الفروع الأدبية، وهو يمثل الشعور بما في المجتمع من معضلات

<<  <  ج:
ص:  >  >>