ومشكلات خلقتها ظروف المعاش.
وذلك الفقه لم تختص به أرض دون أرض، فكان من أهل الهند وأهل فارس وأهل مصر وأهل المغرب والأندلس رجال تفوقوا في الدراسات الفقهية أشد التفوق، وأمدوا الأدب بصور كثيرة تمثل الاتجاهات الذوقية والمعاشية.
وما يقال في الفقه يقال في التوحيد والتفسير والحديث، فهناك ألوف من المصنفات الجيدة التي وعت ضروباً من الحقائق الأدبية والفلسفية لا يستهين بها رجل حصيف.
ولو توجهت همم الباحثين إلى شرح ما في تلك المصنفات من مقاصد وأغراض لأتوا بالعجب العجاب. وقد نبهني إلى ذلك المسيو مرسيه يوم كنت مشغولا بشرح الرسالة العذراء، فاستطعت أن أجد شواهد أدبية من كتب الفقه عند المالكية. وكذلك استطعت بإرشاد المسيو ماسينيون استخراج بعض المعاني الصوفية من المؤلفات الفقهية.
حيا الله أساتذتي في باريس، فبفضلهم عرفت من مذاهب البحث ما لم أعرف.
وإنما مهدت لمقال اليوم بهذه الكلمات ليعرف الأستاذ أحمد أمين كيف أخطأ حين توهم أن الأدب مقصور على قصائد الشعراء، فما كان الشعر إلا صورة من صور التعبير، وهو لتقييده بالقوافي والأوزان لا يستطيع التعبير عن جميع الأغراض.
وأنا مع ذلك سأقف عند الأدب الصرف الذي يمثله الشعر والنثر الفني وأنا أتحدث عن الأندلس.
فهل من الحق أن الأندلسيين لم يحسوا الطبيعة ولم يتذوقوها كما قال أحمد أمين؟
إن المعروف عند جميع أدباء اللغة العربية أن الأندلسيين تفوقوا في وصف الطبيعة، فكيف تفرد أحمد أمين بنكران ذلك؟
أيكون أحمد أمين أعلم الناس بالأدب ولا نعرف؟ ذلك والله غاية العجب!
أيكون من طبع كلية الآداب أن تروض مدرسيها على اصطناع الحذلقة والأغراب؟
أغلب الظن أن أحمد أمين سمع أنه لم يأت بجديد منذ اتصل بكلية الآداب، والجديد عنده هو الخروج على ما اتفق عليه جمهور أهل الأدب في ميدان الحقائق الأدبية، فمضى يتكلف ويتعسف ليأتي بجديد يجعله في الطبيعة بين أساتذة كلية الآداب، فكان ذلك الجديد هو التجني على ماضي الأدب العربي حين زعم انه في اكثر أحواله أدب معدة لا أدب