روح، وأنه لا ينقد الحياة كما تصنع الآداب الإفرنجية، وأنه لم يصف الطبيعة ولم يتحدث عن المجتمع.
وقد فندنا هذه المزاعم فيما يخص مصر والشام والعراق.
وندفع اليوم ما وجهه أحمد أمين إلى الأدب الأندلسي وهو يرى أهله قصروا ابشع التقصير في تذوق الطبيعة وفي الإحساس بما تعرضوا له من الأحداث الاجتماعية.
ويجب أن يكون مفهوما قبل الشروع في التفاصيل أن الأدب الأندلسي تعرض للضياع منذ أجيال، فلو قلنا أن ذلك الأدب ضاع منه اكثر من تسعة أعشاره لما بعدنا عن الصواب، فقد عانى ذلك الأدب فتنة حمقاء هي ثورة الأسبان على مخلفات العرب في الأندلس وإصرارهم على تبديد ما ترك العرب والمسلمون من روائع الآداب والفنون.
وكان ما صنع الأسبان بآثار العرب في المغرب صورة مما صنع التتار بآثار العرب في المشرق، فكان حظ قرطبة صورة ثانية من حظ بغداد.
تبدد من آثار العرب في الأندلس ما تبدد، وضاع منه ما ضاع، ومع ذلك بقيت آثاره تشهد بان العرب في الأندلس أحسوا الطبيعة والوجود إحساساً قليل النظائر والأمثال.
وهل يدرك أحمد أمين قيمة الإحساس بالطبيعة في قول المعتمد بن عباد:
وليل بسد النهر آنسا قطعته ... بذات سوار مثل منعطف النهر
نَضَتْ بُردها عن غصن بان منعم ... فيا حُسن ما انشقَّ الكمام عن الزهر
أيقال أن هذا لعب بالتشبيهات، كما يتوهم احمد أمين؟
وما رأيه في قول عمرو بن فرج وهو يتحدث عن شرف العفاف:
وطائعة الوصال عففت عنها ... وما الشيطان فيها بالمطاع
بدت في الليل سافرة فباتت ... دياجي الليل سافرة القناع
وما من لحظة إلا وفيها ... إلى فتن القلوب لها دواعي
فملكت النهى حجاب شوقي ... لأجري في العفاف على طباعي
وبت بها مبيت السَّقب يظما ... فيمنعه العكام من الرضاع
كذاك الروض ما فيه لمثلى ... سوى نظر وشم من متاع
ولست من السوائم مهملات ... فاتخذ الرياض من المراعي