(أرأيت الذي ينهي عبداً إذا صلى، أرأيت إن كان على الهدى
أو أمر بالتقوى، أرأيت إن كذب وتولى، ألم يعلم بأن الله يرى،
كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة، فليدع
ناديه، سندع الزبانية، كلا لا تطعه وأسجد واقترب)
(قرآن كريم)
يا عجبا! إن الإنسان ليخلو إلى نفسه أحياناً - فينتضي ما يرائي به الناس، ويبدو عارياً عن كل شيء إلا ما اقترف من إثم أو ما اكتسب من خطيئة؛ فيحاسبها وتعاتبه، ويلومها وتؤنبه، ثم يخرج من هذا العراك النفساني وقد فاء وأناب. . . أما الفاجر الفظ فلا يرتدع ولا يتصونَّ، لأن الشر يتدفق في عروقه فيسيطر عليه فيسوَّل له أشياء ليست هي من الإنسانية ولا من الضمير ولا من العقل، ولأن الشيطان أتخذه ولياً فأضله عن سواء السبيل
الليل ساج ساكن والقمر يخفق في السماء يشع نوراً جميلاً يجذب القلب، والقوم منبثون في أرجاء المكان بالعدوة القصوى ليلة سبع عشرة من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة؛ وهم في حركة صامتة يتهيئون لأمر ذي بال قد شغلهم عن كل ما حولهم، لا تسمع إلا صليل الحديد وحنين الإبل، وإلا صهيل الخيل ونباح الكلاب، وإلا همسات فئة يتشاورون في أمر قد أهمهم. . . هذا وفرعون قريش أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة جالس وحده في ناحية وبين يديه درع له قد نثلها من جرابها فهو يَهْنئها. وعملت في نفسه الخلوة حين أخذ الناس يتسللون إلى مضاجعهم، فراحت خواطره تسبح بين ثنايا عمره الغابر. وأطرق فرعون قريش طويلاً فإذا آثامه وأوزاره منشورة أمام عينيه تسخر منه وتهزأ به، وإذا غده الأسود يرنو إليه عابساً مكفهراً وهو لا يدري ما وراء. إنه سيغدو على حرب حطبها رجال من قومه وعشيرته، هم أترابه ورفقاء صباه، وهم علية قومه وساداتهم.