للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سبر أعلامه:]

مِلْتُن

(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية

والخيال. . .)

للكاتب محمود الخفيف

- ١٦ -

بعد أوبته من إيطاليا:

آب ملتن إلى وطنه بعد أن غاب عنه سنة وثلاثة أشهر! وكانت الحرب بين إنجلترا واسكتلندة في أولى مراحلها؛ وكانت السياسة الداخلية دائبة في عصفها لا تكاد تجنح إلى السكون حتى تهب ريحها عاتية من كل جانب.

وكان يتوقع منه بادي الرأي وقد آثر العودة إلى بلاده على المضي في رحلته حياء منه، كما ذكر، أن يستمتع بالرحيل والأحرار في وطنه يعانون ضروب البلاء، أن يلقي بنفسه في غمار السياسة أنفة منه وحفاظا ودفاعا عن الحرية التي يعشقها والتي ركب في فطرته الميل إلى نصرتها؛ ولكنه ركن إلى الدرس ولاذ بالعزلة كما كان يفعل قبل رحيله.

وقد ملأ الحزن جوانب نفسه على صديقه ديوداتي، وآلمه ألا يجد مكانه من يستطيع أن يفضي إليه بأنباء رحلته، ويظهره على ما لقي أثنائها من حفاوة وما اكتسب من حسن السمعة وذهاب الصيت.

والتمس العزاء لنفسه في مرثية كتبها فأدى بها حق الوفاء لصديقه. وقد اختار لها اللغة اللاتينية كما اختار لها الجو القروي وصور الرعاة وحياتهم، والذين يعرفون اللاتينية ممن كتبوا حياة ملتن على اتفاق أنها من حيث الفن في ذاته لا تنزل عن مستوى مرثيته ليسيداس؛ وإنها من حيث العاطفة أعمق وأصدق من أختها لأن صلة ديوداتي بملتن كانت أوثق من صلة كينج به، فقد كانا ديودتي قرينه منذ صغره وقرب خلانه إلى قلبه وأشدهم محبة له؛ واخذ ملتن يذكر له في مرثيته ما كان يحب لولا أن طواه الموت أن يلقيه على سمعه؛ وجعل ملتن من نفسه ومن صاحبه راعيين كما فعل في ليسيداس، وأثنى على خلال

<<  <  ج:
ص:  >  >>