للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القبلة الأخيرة]

للأستاذ إبراهيم العريض

وقَفْنا. . ولما يُشْرِقِ البدْرُ طالعاً ... ولا سبَقْتُه في السماء نجومُها

على جدْوَل قد صقَّلتْه يدُ الصَبا ... فمالتْ مع الأغصان فيِه رسومها

وخرخرةُ الأمواهِ أثناَء جريها ... على حجَر يرفضُّ منه نظيمها

كترنيمة المانِيِّ عند عُكوفِه ... على ضوءِ نار في صلاةٍ يقيمها

وكنتُ على ما بي الحُزْن واجماً ... وكانت هي الأخرى كثيراً وجومها

فلما رأيتُ الصمْتَ طال على جَوَى ... تُزكِّيهُ أُحدانُ الدموع وتومها

وعهدي بها ما شافهتْني بغُنَّةٍ ... من اللحْن إلا واستباني رخيمها

نطقتُ اسمها همْساً لِترْفعَ رأسها ... إِليَّ فلم تفعَل ولستُ ألومها

وأنَّى تناغيني بسابق بِشْرِها ... وأنفاسُها الحرَّى تكادُ تزيمها

فلمْ يَكُ بدٌّ أن أُحدِّث بالذِي ... يَسُرُّ وإنْ غال السعادةَ شُومها

فقلتُ انظُري ياميُّ حولَكِ للصَبا ... تُرَاودُ أزهاراً فيزكو نسيمها

وللطير تشدو في الغُصون صبابة ... إلى إلفِها - لا مسَّها ما يَضيمها

وللموْج يصبو للتعانُقِ بعضُهُ ... إلى بعضِهِ من غير أيْدٍ يُقيمها

وللغيْمِ في حِضْنِ الغمامةِ يرتمي ... كما يرتمي في حِضْنِ خَوْدٍ حميمها

ترَىْ كل شيءٍ في الحياةِ مسخَّراً ... إلى الحبِّ موْقوفاً عليه نعيمها

يُخيَّلُ لي أنَّ الطبيعةَ مثْلَنا ... تحِسُّ ولولا ذاكِ ما طابَ خِيْمُها

رأتْ ما بنا من لوْعةٍ فتألَّقتْ ... كأحسنِ شيءِ شُهُبها وسديمها

لِتنجابَ عن نفسي ونفسِكِ ظلمةٌ ... من اليأسِ لا يفضي لصُبح بهيمها

فصعَّدتِ الأنفاسَ من حرَّة الجوى ... وقالت (بودي لو تعفّت رسومُها

وأيُّ عزاءٍ لي إذا شَّطتِ النوى ... بأن خاتلْتني في السماء نجومها

أتعلُم هذا آخِرُ العهد بيننا ... وتبغي سُلوِّى أي حال ترومها

أما ضمَّنا وشكُ الفراقِ هُنيهْةً ... لنبكي حياةً زال عنا نعيمها

وإن كانَ بالحبِّ استتبَّ نظامُ ما ... نراهُ كحَّباتٍ حَلاها نظيمها

<<  <  ج:
ص:  >  >>