كان (ترجماننا) الأمي (ضاوي) يشرح للأساتذة الجامعيين والثانويين حديث تحوتمس الثالث مع أخته العاشقة، ووجوه التماثيل الواجمة غارقة في صمتها الناطق، تتراكم على قسماتها أنظار الخليقة، وتجثم على شفاهها أسرار القرون، ورءوس الأعمدة القائمة ناتئة في أشعة الشمس كالمزولة الهائلة، ترسم بظلالها الوريفة تعاقب الساعات منذ آلاف السنين! وكانت عيناي الحالمتان قد وقفتا على تمثال من تماثيل رمسيس الأكبر، يخطو إلى الأمام خطى المصمم الواثق، وبإحدى يديه مفتاح الحياة يجتاز به موت الساعة إلى خلود الأبد
والخلود حلم الفراعنة الدائم وهواهم الملح، أخطره ببالهم قبل الناس ما مُتِّعوا به من فيض الحيوية وخفض العيش ونفوذ السلطان واكتمال اللذة، فلو أنهم عاشوا على جدب من الإقليم، وحرب مع الطبيعة، وهوان على الدهر، لاستشرفت نفوسهم للبلى، واستهلكت عقولهم للعدم
خلّد الله الروح وحاول الفراعين تخليد الجسد! وما يدريك لعلهم كانوا يظفرون بهذا الخلود لو خلى الناس بينهم وبين الزمن. لقد قهروا الفساد والدهر وقهرهم اللص والفاتح! فمنذ خمسة وعشرون قرنا ما برحت يد الإنسان تبعث بهذي الجسوم والجروم! جرب القدر عليها حقد قمبيز، وعبث الاسكندر والقيصر، وورع تيودوسيوس وعمرو، وزهو المأمون ونابليون، وعلم مسبيرو وكارتر، فقطع بعض الرقاب، وقوض بعض الأنصاب، ونبش بعض القبور، ولكن بسمة رمسيس لا تزال كما أراها تناجز الفناء وتعاجز القدر!! وأي سبيل بعد ذلك إلى بِلاها ومسلاتها في العواصم الأوربية، ومخلفاتها في المتاحف الأثرية، باقية ما بقيت الأرض؟!
صعد بنا الدليل باب المعبد في سلم جانبي حديث يقوم عن شماله، ولو قلت لك البرج بدل الباب لقربت إليك وصفه! فهو سطح عريض من ضخام الجلاميد تكدس بعضها فوق بعض كما ترى في الهرم، أشرف من شرقه على ما بقى من صخور السقف فوق الأساطين، وتراءى من النصب خلال الاواوين، وطعن في السماء من أسنة المسال؛ من غربه على طريق بين صفين متوازيين من الكباش الرابضة في حجم البقر، يسايره النظر والفكر إلى