للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرفأ كان ولا شك ينتهي عنده قبل أن يأخذ النهر من الساحل الغربي ألف متر

في هذا الطريق كانت تخرج الجنائز الملكية من المعبد إلى نهر الحياة فتعبره إلى مراقدها الصخرية الآبدية في جوف الجبل، وفي هذا الطريق كان يسير موكب أمون السنوي إلى النهر، أمامه زُمَر المهرجين والمشعوذين يدورون على الارجل، ويمشون على الأيدي، بين أخلاط من باعة الفاكهة وشواة الإوز والبط، ثم يلي هؤلاء جوقات الموسيقى تصدح بالأهازيج، وطبقات الكهنوت تعج بالأناشيد، وحاملو الأصنام والبنود يسيرون بها وئيدا في خشوع ورهبة، حتى إذا بلغوا المرفأ تقدموا بامون فجعلوه في فُلكه الذهبي، وبالآلهة الأخر فوضعوا كل إله وكل الآهة في زورق خاص، ثم يسير الفلك بالاله الأكبر متنزها على النهر، تتهادى من ورائه زوارق الآلهة على الماء، وتهلل من حوله جموع الناس على الشاطئ!

من العسير على النفس الشاعرة ان تعيش في حاضرها بين هذه الأخيلة والصور! فحيثما أرسلت طرفك أو نقلت خطاك وجدت حجرا يكلمك أو أثرا يلهمك! هذا التمثال الذي تراه أمامك، أتراه أمامك، أتدري كم مرة طالعته الشمس، وكم نظرة نظرته الناس، وكم وقفة وقفها الناس عليه أقوام من قبلك بعضها لتقديس، وبعضها للتدنيس وبعضها للعبرة!!

أنك لتغرق من هذا الماضي الحاضر من فيض التأمل العميق الهادئ، يقطعك عن الدليل، ويفردك من الجمع، فلا تجد - متى عدت لحظة إلى نفسك - الدليل الذي كان يخطب، ولا الحشد الذي كان يسمع، ولا العربة التي كانت تنتظر!

خرجت فيمن تخلف في المعبد من الأصدقاء الشعراء وأخذنا نسير الهوينى في طريق الرمل حتى أدركتنا في بعضه عربة أقلتنا إلى الفندق

وفي الأصيل المونق من هذا النهار المشرق خرجنا نشهد وداع الشمس الغاربة لأطلال معبد الأقصر

ومعبد الأقصر كذلك أجمة من العمدان الباسقة المتشاجنة نتأت على سيف النهر في طول ثلثمائة متر بمشيئة آل أمينوفيس ورمسيس الاكبر!

وأول ما يملك عليك عقلك وقلبك فيه منظر يجمع تاريخ الوادي ويختصر أطوار العقيدة: ذلك منظر المسلة في المعبد، والبرج في الكنيسة، والمأذنة في المسجد!

<<  <  ج:
ص:  >  >>