كان النبي محمد، وكان هذا القرآن، هذا الكتاب المعجز، فكانت تلك الدنيا العجيبة العربية، وكان مع الهدى والخير ذلك العلم وذلك الأدب وتلك الفنون، وكان أولئك الأئمة وأولئك النابغون وأولئك العبقريون، وكانت تلك المؤلفات الفائقات المحققات، وكان أولئك المؤلفون الراسخون في العلم المستبحرون. وكان هذا العبقري أبو العلاء المعري (أحمد بن عبد الله سليمان) رب هذا المهرجان.
كانت الحضارة العربية، وكانت هذه المدينة الغربية، ولن يقدر أن يكفر إفضال المفضلين كافرون. فمحمد والقرآن هما شائداً هذا المجد، وهما القائدان، وهما الهاديان، وهما الشمسان الباهرتان، ذواتا الضياء السرمدي في العالمين. .
(كما أرسلنا فيكم رسولاً يتلو عليكم آياتنا، ويزكيكم، ويعلمكم الكتاب والحكمة، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون - فاذكروني أذكركم، واشكروا لي ولا تكفرون).
(دمشق عروس الشام الموموقة، وواسطة عقدها المرموقة).
في دمشق هذه التي قلت فيها - يا أبا العلاء - قولك هذا في رسالتك إلى (أبى منصور محمد) قد مهرج العربيون لك اليوم هذا المهرجان بعد ألف سنة من سعادتك بكونك وسعادة العربية بك، وإن أمة أقامت من بعدك هذا الدهر الأطول تصارع الكروب والخطوب، وتقارع تلك الهمجيات الشرقية والوحشيات الغربية ثم لم تبد بل لم تهن ولم تستكن، إن أمة وقاها كتابها ووقت لغتها ولسان كتابها؛ وعرفت قدرها في الأقدار، وفضلها من قبل، ومسعاها اليوم، وأرادت ألا تزول وأن تكون فكانت، إن هذه الأمة لقوية وعزيزة وسائدة وخالدة في الخالدين.
بلاد الشام جلها، ولا أقول كلها، (وإن مع اليوم غدا يا مسعدة) لا تردد كثيراً في الوقت قول الشيخ:
ألفنا بلاد الشام إلف ولادة ... نلاقي بها سود الخطوب وحمرها
فطورا نداري من سبيعة ليثها ... وحينا نصادي من ربيعة نمرها
فالحال اليوم - يا أبا العلاء - متهادن، والدهر مهادن. وفي الدار من قبلك صالحون