أشرنا في الكلمة السابقة إلى الخلاف الذي وقع بين المستمصرين حول التطور الديني المصري وهل هو وليد الفلسفة أو الفلسفة هي وليدته. ولما كنا قد تناولنا بهذه المناسبة الكلام على (رع) وتاسوعه، فقد وجب علينا إتماما للموضوع أن نشير إلى آلهة أخرى لا تقل عن السابقين أهمية، وهي (مآت) ابنة (رع) العظيمة
ليست هذه الآلهة من التاسوع، لأنها روحه كله، وبدونها لا يحيا أي واحد من الآلهة، لأنها هي:(الحقيقة والعقل والعدالة). وهل يمكن أن يحيا أي إله بدون الحقيقة والعقل والعدالة؟ وتمتاز هذه الآلهة بأنها تجيء إلى الأرض يحملها فرعون ويتولى تطبيق صفاتها وإبرازها إلى حيز الوجود بطريقة عملية ويظل حارسها الأمين إلى أن يموت فتعود إلى السماء وتبقى فيها ريثما يصعد الملك الجديد على العرش فيوكل إليه أمر حملها وحراستها كسابقه. ولهذا كان كل فرعون يعنى بأن يكتب على آثاره أنه لم يدخر وسعا في حماية الحقيقة والعدالة وفي إعلاء شأن العقل، لكي يثبت بهذا أنه قام بواجبه في حمل (مآت) إلى الأرض ورعايتها خير قيام. وهاك ترجمة شيء مما يخاطب به فرعون (رع) كبير الآلهة فيقول: (هاأنذا أتيت نحوك، وذراعاي مجتمعتان لحمل مآت التي أنت موجود، لأنها موجود؛ وهي موجودة، لأنك موجود؛ والتاسوع يناديك أنك أنت الإله العظيم الذي انتصرت منذ ملايين السنين. وان مآت هي وحيدتك)
ولاشك في أن لمرادفة مآت ابنة رع للحقيقة والعقل والعدالة أهمية فلسفية وأخلاقية عظيمة، إذ منذا الذي لا يبحث عن الحقيقة ولا يحترم العقل ولا يطبق العدالة مع علمه بأن هذه الأشياء الثلاثة هي مرادفة لابنة رع، وهي روح التاسوع المقدس كله. وإذن، فقد كانت هذه