للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صحائف من تاريخنا القومي]

الغرب يتجنى

للأستاذ أحمد خاكي

حينما يستشرف المؤرخ القومي لأخريات القرن التاسع عشر، ومبدأ القرن العشرين، يرى في مصر مدرسة من مدارس الفكر والسياسة جديرة بأن تذكر بين الأفراد القلائل الذين قادونا في تاريخنا القومي. وكانت هذه الفترة في تاريخنا هي الفاصلة بين حياة من الاستعباد المقيم، وبين حياة أخرى من الحرية والمجد. وقد استطاعت القومية المصرية أن تحيا خلال تلك السنين السود على الرغم مما اعتورها من أطماع الإمبراطوريات المستعمرة، وعلى الرغم من فترة الركود التي تثاقلت على أفئدة المصريين بعد الفشل الذي أصاب الثورة العرابية. وإذا انتزع المؤرخ نفسه من غمار الحوادث التي قامت في مصر منذ مبدأ القرن التاسع عشر حتى اليوم، استطاع أن يشهد للقومية المصرية وحدة خاصة تبدأ منذ اليوم الأول الذي خطا فيه نابليون في بلادنا المقدسة، وتظل مجدة جاهدة تصيب النجاح في أحيان، ويصيبها العثار في أحيان أخرى

على أن في دراسة القومية المصرية في الفترة التي تلت الثورة العرابية كثيراً من العظات والعبر التي ينبغي أن ننعم النظر فيها. ذلك بأن حياتنا الاجتماعية والسياسية تقوم على الأسس التي بناها سلفاؤنا في أعقاب القرن التاسع عشر؛ بل كثير من النقائص التي ما زالت تميز كياننا الاجتماعي ترجع إلى تطورنا أثناء ذلك القرن. وهذه الفترة الخطرة هي التي التقى فيها الغرب والشرق على أساس من سوء الظن والاستغلال، وهي كانت الفترة التي بلغت فيها الفكرة الإمبراطورية عند إنجلترا وفرنسا أكثر ما بلغت، فكان ضحاياها بلاد الشرق الأدنى، وبلاد المغرب الأقصى، وغير أولئك وهؤلاء من سكان أفريقية وآسيا. وإذا كانت مصر قد استطاعت أن تتخفف من تلك القيود التي ضربت عليها في سنة ١٨٨٢ فإنما ذلك لأن القومية المصرية كانت شديدة المراس شديدة البأس

وقد بدأت الحركة القومية في مصر في زمن نابليون، وأنتجت تولية محمد على في سنة ١٨٠٥. على أن القومية لم تصبح أملاً من آمال الشعب إلا في سنة ١٨٨٢، حين قام عرابي وصاحباه يحتجون على تفوق العنصر الجركسي والتركي في الجيش، وسوء

<<  <  ج:
ص:  >  >>