هذا مبحث جديد قديم، بكر مطروق، كثر فيه القول، وطال حوله الجدل، وبرغم ذلك لم تنل منه الأيام، فلم تعصف بطلاوته ولم تذهب بطرافته. كان بالأمس ولا يزال إلى اليوم مثار لخصومة عنيفة، ومدار لأخذ ورد شديدين بين دعاة الكلاسيكية وأنصار الرومانتيكية، دون الوصول إلى رأي جازم أو قرار حاسم أو نتيجة قاطعة. ومن طريف ما يروى أن نقطة الرومانتيكية كانت مبعث خيبة مريرة، وذهول عميق لقارئين من قراء إحدى المجلات الأدبية التي تصدر في باريس.
ذلك أن الفريد دي موسيه طلع عليهما في ١٨٣٦ بكتابه: الذي فصل فيه القول عن الرومانتيكية تفصيلا، وأفاض فيه إفاضة؛ وألمع إلى معان لم تدر لهما بخلد أو تختلج لهما في عقل. فما كانت الرومانتيكية عندهما حتى ذلك العهد سوى نزعة أدبية تطبق على المسرحية ولا تطبق على غيرها من سائر ألوان الأدب. فشكسبير على سبيل المثال رومانتيكي، لأنه خرج في مسرحياته على الوحدات الثلاث التي أستنها رجال الأدب الأقدمون من نقاد الإغريق واللاتين، وهي وحدات العمل والمكان والزمان فلم يتقيد بها أو يأبه لها. فشخوصه تطوف أبدا في الأقطار، ما يقر لها قرار، تحل بروما ثم تلم بلندرة ثم تكر راجعة من حيث أتت، وذلك كله في ظرف وجيز، ووقت قليل لا يتعدى ربع الساعة أو يتخطاها بحال من الأحوال.
وما كان لهما أن يتلقيا الصدمة الشديدة الوطأة بثبات روع أو هدوء بال، وقد تبينا لأول مرة أن هناك حكايات وقصائد ومقطوعات شعرية رومانتيكية، كما أن هناك حكايات وقصائد ومقطوعات شعرية كلاسيكية. وكان مما قالاه في هذا الصدد (لم يكن في مقدورنا حين تلقينا هذا النبأ أن نغمض العين طوال الليل
هذا طرف مما وقع لبعض القراء من الخلط والاضطراب في أمر هاتين اللفظتين، وهو ليس بنادر الوقوع أو بعيد التصديق. فهاتان اللفظتان تضيقان بلا مراء بالمعاني المحددة