للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعقيدة الإرادة الحرة التي نادى بها أرمينيتس ويصف هذا الأخير بقوله (أرمينيسي الواضح البين) وينر ملتن من تزمت البيوريتانز وتشددهم في كل شيء، وبعد أن كان من قبل وهو الشاعر الذي يعشق الجمال ويحسن الحياة إحساسا قويا في حيرة بين ما تقتضيه الطبيعة وما تقوم به الروح، نراه اليوم يعلن أنه في وسع المرء أن يجمع بين الاثنين في غير حرج، وقد كان ما تقوم به الروح عنده قبل ذلك في المحل الأول، تجد ذلك واضحا في قوله (لماذا خلق الله العواطف وبثها فينا، ولماذا خلق مسرات الحياة وأحاطنا بها، وليس معنى ذلك انه يبيح الاستمتاع بزينة الله التي أخرج لعباده في غير قيد، ولكنه يريد ألا يتشدد فيرى في كل زينة وفي كل متعة ما يوبق الروح كما يفعل الغالبون من البرسبتيرينز، ولقد باتوا عنه كالقساوسة حماقة وضيق عقل وسوء تعصب كما يتضح في قوله إذ يشير إلى خنقهم حرية الرأي (إنما تخرج أفانين القساوسة براعمها من جديد).

ويعد ملتن في الواقع بعد اختلافه مع البرسبتيرينز من المستقلين، بل لقد كان أكثر من مستقل، فسوف لا يؤيد بعد اليوم نظاما كنسيا ما أو يأخذ برأي من الآراء لا يتحول عنه أو لا يقلب النظر فيه؛ أو يغشى كنيسة من الكنائس غشيانا رتيبا، وإنما تسيطر عليه روح دينية توحي إليه تقواه وطهره. وإن كان مستقل الرأي لا يقبل شيئا لا يطمئن إليه عقله ولا يتقيد بمذهب لا ينسى كراهته للقساوسة من أشياع روما والكاثوليكية بوجه عام، كما لا ينسى غضبه على البرسبتيرينز ولا اتهامه إياهم بأنهم أعداء الحرية، وانهم لذلك كالقساوسة عقبة في سبيل الإصلاح الحق، وأنهم يبالغون في تزمتهم وتشددهم مبالغة تفضي حتما إلى النفور من مذهبهم.

(يتبع)

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>