وكان الأمل والحماسة ملء كتيبه هذا، فلئن خاب أمله في البرسبتيرينز فليسوا هم كل شيء، بل أنهم وقد نصبوا أنفسهم أعداء للحرية لم يعد لهم من الأمر شيء، وان انجلترة لتتجه نحو أمل جديد تراه في شخص كرومول وهو زعيم المستقلين ولجنده الظفر كما تنبئ حوادث الحرب، وان المستقلين جميعا وطلاب الحرية ليلتفون حوله، فهو في غده أمل إنجلترا ونصير الحرية وبطلها؛ ذلك ما كان يتحدث به ملتن إلى نفسه وذلك ما بث في كتيبه الرجاء.
وزاد الأمل تمكنا من نفسه انه وقد استعدى عليه الرقباء في البرلمان لم يمسسه شيء مما أرادوا به من سوء، إذ لم يرض مجلس اللوردات أن يشايع البرسبتيرينز فيما يذهبون إليه من رغبة في التضييق على حرية النشر؛ واغتبط ملتن أيما اغتباط وأرتاح أيما ارتياح إلى هذه المعاملة التي زادته ثقة في نفسه، ويقينا من علو مكانته في قومه.
ويحس المرء لذة قوية إذ يقرا هذا الكتيب، فليس فيه مثل ما في كتيباته التي أرسلها على القساوسة من غل الخصومة وعنف الهجاء، وإنما يسوده الهدوء وحسن السياق؛ وهو فضلا عن ذلك قريب إلى العقليات الحديثة بما حواه من أفكار حول حرية الرأي وحرية النشر، وحسبك منه بعض ما كتبه ملتن عن قيمة الكتب مثل قوله:(إن من يقتل كتابا طيبا كمن يقتل رجلا؛ بل إن من يقتل رجلا إنما يقتل مخلوقا عاقلا، في حين أن من يقضي على كتاب قيم فقد قتل العقل نفسه؛ وان كثير من الناس يعيشون عالة على هذه الأرض، أما الكتاب الجيد فهو دم الحياة الغالي، دم كاتبه، ذلك الروح العبقري، وقد حنط ذلك الدم واختزن ككنز ثمين ليبقى ذخر الحياة بعد حياة).
ويقع المرء فيه على كثير من العبارات المتينة الجميلة جمعت بين الإيجاز والشمول كقوله:(يظل الأحمق أحمق أوتي كتابا جيدا أو لم يؤت كتابا قط). وكقوله:(يجد المطهرون كل شيء مطهر، وليس ذلك في طعامهم وشرابهم فحسب، ولكن في كل صنوف المعرفة الطيب منها والخبيث فلا يمكن أن تفسد المعرفة كما لا يمكن تبعا لذلك أن يفسد الكتب ما دامت الإرادة والضمير لا يتطرق أليهما الفساد).
ويأتي ملتن بطائفة من الآراء تنم عما كان يجول في خاطره بعد القطيعة بينه وبين البرسبتيرينز، فهو ينكر اليوم عقيدة القدر المحتوم التي اعتنقها البيوريتانز عن كلفن ويأخذ