وقد بدأ الخلاف بين ملتن والبرسبتيرينز كما قدمنا في أواخر سنة ١٦٤٤ وذلك بعد أن ذاع كتيبه (قانون الطلاق ونظامه) وبعد أن نشر مقاله الذي جعل عنوانه (رأي مارتن بوسر في الطلاق)، فقد طالبوا بمصادرة كتيبه لأنه طبعه بغير تصريح مخالفنا بذلك قانون الطبع الذي هو من صنع أيديهم والذي أرادوا به حماية نظامهم الكنيسي، فرأى ملتن إذ ذاك أن أصدقاءه يعملون على خنق الحرية كما يعمل الأساقفة، ومن ثم دب بينه وبينهم الخلاف؛ وهل يظل صامتا حيال صيحتهم؟ ذلك مالا تطيقه نفسه وما لا تتطامن له كبرياؤه؛ وذلك ما لا يتفق مع حبه للحرية حبا درج معه منذ نشأته، وإذا فلا بد من رد ولا بد من صيحة يكربها عليهم ويدفع بها عن الحرية؛ ولكن البحث في الطلاق يملك عليه وقته وفكره فليدعه إلى حين، وليجعل همه إلى كتيب يناصر به حرية الرأي، ويهاجم فيه الرقابة على هذه الحرية هجوما عنيفا.
ويفرغ ملتن من كتيبه هذا وينشره في نوفمبر سنة ١٦٤٤ أي قبل نشر كتيبه (تراكوردون) بنحو أربعة أشهر ويعرف هذا الكتيب باسم (ايروباجيتيكا)، وفيه يحتكم إلى البرلمان والى كل ذي رأي حر.
وبلغ من جرأة ملتن وكبرياء نفسه وتحمسه للحرية أنه نشر هذا الكتيب كذلك بغير أذن، فكان عمله هذا تحديا للبرسبتيرينز من ناحيتين، فهو يهمل قانون الطبع الذي وضعوه وقرروه، وهو في الوقت نفسه ينكر بكتيبه هذا الرقابة على الكتب كما تتمثل في ذلك القانون ويراها قيدا بغيضا لحرية الرأي فعنده أنه يحب القضاء على هذه الرقابة (حتى لا يكون الحكم على ما يجوز طبعه وما لا يجوز لفئة قليلة أكثرهم لا يعدون في العلماء إذ أن كفايتهم عادية شائعة).
وكان الكتيب في صورة خطبة مكتوبة موجهة إلى البرلمان وقد جعل ملتن شعاره عبارة مقتبسة من كلام يوربيد أثبتها بنصها الأغريقي؛ وهو بعد خطبة فليسر فيه درس وفق منهج معين أو تمحيص لما يعرض له من آراء، أو تقص للأفكار التي يؤيد بها رأيا أو يخالف رأيا؛ ولكنه على الرغم من ذلك لعله بسبب ذلك كان من أحسن ما نشر ملتن من هاتيك الكتيبات، فهو فيض نفس نبيلة حرة، تفهق صفحاته بكلام من خير ما كتب في الحرية فحاجة لفظ وبلاغة عبارة ورقة شعور ونبل حس وشجاعة رأي وحرية قول. . .