اجتمعت عليه المحن، وأقبل يهاجم البسبتيرينز كما هاجم القساوسة من قبل، يأبى ألا أن يدافع أبدا عن الحرية في أي صورة من صورها، والمجال اليوم مجال حرية الرأي فما أجراه أن يناصر حرية الرأي.
اعتزم ملتن أن يعيد النظر فيما كان يرى من رأي في الإصلاح الديني، وأحس في نفسه الميل إلى مقاومة تشدد البيوريتانز وتزمتهم فيما يتصل بالدين وحياة المجتمع، ذلك التزمت الذي بلغ منتهاه عند جماعة البرسبتيرينز، والذي جعل ملتن يؤمن اليوم أن هؤلاء ليسوا أقل تعصبا ولا جمودا من القساوسة، وليسوا أوسع منهم أفقا ولا أخف حمقا.
ولم يكن غضب البرسبتيرينز على ملتن بسبب ما جاء به من آراء حول الطلاق فحسب، وإنما أغضبهم كذلك جرأته في الدعوة إلى الاعتماد على العقل في تفسير الإنجيل، وعدم التقيد بأقوال من سبق من رجال الكنيسة في تفسيره وتأويله ما لم يتمش ذلك مع المعقول ويوافق طبائع الأشياء
فالمعركة اليوم إذا معركة الرأي وحريته، والعقل وكرامته، وشخصية الفرد وكيانها، وحسب ملتن من الفخر أن يكون في ذلك طلعة بين أهل عصره كما كان طلعة في حربه على القساوسة وفي آرائه حول الطلاق. . .
وحدث بين جماعات البيوريتانز خلاف سنة ١٦٤٣ جعل لخروج ملتن على البرسبتيرينز صدى أشد وأبعد مما كان يقدر له لو لم يقع هذا الخلاف، وبيان ذلك أن مجمعا من البيوريتانز انعقد في وستنمستر في تلك السنة للنظر في النظام الذي تخضع له الكنيسة في انجلترة، أي طريقة أدارتها، وقد قضى هذا المجمع بإحلال البرسبتيرية محل الأسقفية نهائيا، وتغيير كتاب الصلاة المتبع، ووافق البرلمان على ذلك، وكانت أغلبية أعضاءه يومئذ من البيوريتانز المؤيدين للبرسبتيرية، ولكن جماعة من المستقلين خالفوا أعضاء مجلس وستمنستر في بعض الأمور إذ أحسوا فيها تزمتا وشدة وطالبوا بشيء من الاعتدال، ونشر خمسة منهم كتابا يحتكمون فيه لا إلى البرلمان وحده بل الرأي العام في المملكة كلها؛ فلما خرج ملتن على البرسبتيرينز سنة ١٦٤٤، وأخذ يطعن فيهم وهو الذي عرف بانتصاره للحرية أيد ذلك قضية المستقلين، وأحاط البرسبتيرينز بشبهة التعصب ومجافاة حرية الرأي.