جاءتني هذه الرسالة من الأديب صاحب الإمضاء أجتزئ منها بما يأتي للتعقيب عليه. قال حضرته:
(. . . ما قصدت بهذه الرسالة إلا إلى استجلاء نقطة دقيقة في حياة الإنسان المفكر. وهي الصلة في شخص الكاتب بين العقل الكبير مصدر الآراء النافعة التي يرسمها القلم البليغ وبين الطموح إلى السلطة التي هي وسيلة تنفيذ تلك الآراء الداعية إلى الهداية والإصلاح. ولا أعرف مدى طموحك وما تريد. غير أني أعلم أنك تحمل عقلاً كبيراً وشخصية قوية، ومن اجتمعت له الشخصية المؤثرة والعقل النفاذ، لابد أن يكون عنصر حب السلطة والقيادة من أقوى عناصر طبعه. . . لقد جاهدت كثيراً في ميدان الصحافة والأدب، ثم بلغت مرتبة نائب، فهل هذا منتهى جهدك؟ يبدو لي أنك تبلورت في مركزك الأخير!
(قد تقول إنك لم تسع إلى منصب القيادة الإدارية مكتفياً بالقيادة الفكرية والأدبية، وقد تقول إن الرجل ذا الفكر الحر لا يمكن أن يطمع في السيطرة والسيادة؛ ولكن هذه بالذات هي النقطة التي أريد أن أبحثها معك. فهل يستطيع الكاتب النابغة أن يعمل كما يكتب، أم إن مهنة الكتابة والأدب تقتل فيه القدرة على العمل والتنفيذ؟ يبدو لي أن الكتابة تقضي تدريجياً على قوة البناء والتنفيذ في نفس الرجل، وتنمي بدلاً منها قوة سلبية - إن جاز التعبير - حتى إذا اختمر في رأسه مشروع أو فكرة عجز عن إبرازه إلا على الورق. وقد يعزي الكاتب نفسه بأنه يعمل عملاً إيجابياً من حيث تنوير عقول الغير، ولكن هذه غير العمل المباشر الذي يسعد المرء به عند تطبيق فكرة أو تنفيذ مشروع
(وقد كان ديزرائيلي كما تعلم أديباً وكاتباً، وكان يقرض الشعر قبل أن يخوض ميدان السياسة؛ ولكنه كان يقول: إن الشعر هو صمام الأمان لنفسي، غير أني أريد أن أفعل ما أقول. وكان ديزرائيلي من أقدر وأبرع رجال الحكم الذين عرفتهم إنجلترا في تاريخها الطويل
(إني أعتقد أن مصر بحاجة إلى رئيس حكومة من هذا النوع الرجال من الأدباء بطبعهم ذوي العقول النابغة. فما رأيك؟ أرجو أن أسمع رأيك، ولو كبدك ذلك كتابة رسالة إليَّ، أو