للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

رسالة من صديق. .

الأستاذ غائب طعمه فرمان

كنا أربعة. . تربطنا رابطة وثيقة من التآلف والانسجام، وتنبعث في نفوسنا رغبات متسقة، وآمال واحدة في الحياة. حتى يخيل إلينا أننا نؤلف كياناً مؤتلف الأركان في دنيا تنهار تحت معاول الانشقاق!

وكنا نجتمع كلَّ أمسية في بيت واحد منا. . نخلو إلى أفكارنا بعيدين عن ضجة الواقع، وصخب العيش. . وكانت عقولنا تضل في متاهات من الأفكار والتصورات، وتهيمُ في أفلاك بعيدة المدى، غريبة عن الحياة!. . وكل منا يحمل بين جنبيه قوة طاغية من التذمر والاندفاع وراء أخلية غامضة حتى لقد ثبت في ضمائرنا أن برزخاً عميقاً يفصلنا عن عالم الناس. . . فقد كنا نعجب من سلوكهم ونسخر من انشغالهم بالتوافه وصغائر الأمور. . أما نحن فنملك ذخيرة - لا تقدر - من الأفكار الرائعة، ولا يشغلنا إلا مصير الإنسانية ومنشأ الوجود، ولا نحفل إلا بعظائم الأمور، لا نقلب الرأي إلا في آفاق الكون الفسيحة!!

وكان (سامي) أكثرنا اندفاعاً، وأعمقنا إيماناً. فقد كان روحاً هائمة في أدوية الغيب! يسير مع فكره في أجواء غامضة لا نهاية لها ولا حدود. . كان يزدري الحياة ويعجب من متناقضاتها، ويطوي نفسه في أعماق وحدة من الفكر والشعور!

وشاء الله أن يفرق شملنا، فقد سافر سامي إلى بيروت، وسافرت أنا - بعده - إلى مصر، وتطوَّع ثالثنا للتدريس في أحد أرياف العراق. . أما رابعنا فلم أسمع عنه شيئاً!. .

وقضيت شهرين في مصر سمعت أن سامي سافر إلى باريس. . ثم مضت الأيام وشغلتني أسباب الحياة عن الالتفات إلى الماضي لاسترجاع صوره، وجميل ذكرياته. . حتى جاءتني - ذات يوم رسالة طويلة تحمل طوابع فرنسية، وعرفت أنها من صديق الصبا (سامي). ولا أخفي على القراء شيئاً فقد ذَهلت من أمر هذه الرسالة، فقد قطع سامي رابط صداقتنا منذ أن سافر إلى بيروت ونسيت أنا في غمرة الأيام صاحبي!. . ولكنَّ هذه الرسالة أعادت لي صورة ذلك الراهب في محراب الوحدة الموحش

(عزيزي

<<  <  ج:
ص:  >  >>