أردت أن أكتب مقالا للرسالة - لعددها الهجري الممتاز - فنقب فكري في أرجاء التاريخ الإسلامي، حتى عنّ لي هذا الرأي. قلت: لماذا لا يسجل في هذا - العدد الهجري - بعض الخطوب الكبيرة في التاريخ الإسلامي؟ ولاسيما الخطوب التي وقعت في نظائر السنة التي تصرمت، أو السنة التي استهلت. قد تصرمت سنة ١٣٥٨، وأقبلت سنة١٣٥٩، فأستعرض نظائرهما. عبرت سني ٥٨ و ٥٩ من قرون التاريخ الهجري كله، فرأيت أحيانا كثيرة، وغيَراً عظيمة. فلما هممت بالكتابة، تبينت أن مقالاً يكتب على هذا الشرط، لا يعدو أن يكون ثبتاً للحوادث مختصراً، أو مقالاً مفصلاً يزيد على حاجة المجلة. فلم أجد بدّا من تخيّر بعض الحوادث، فمررت بخطوب جسام، وحادثات صغار، حتى انتهيت إلى عام ٦٥٨ فوقفت وقفة كدت أمسك فيها القلم لأكتب في واقعة هائلة عظيمة الأثر كانت في هذا العام، ثم جاوزتها إلى واقعات أخرى، حتى بلغت وقتنا هذا، ثم رجعت بي الرغبة إلى تلك الواقعة، إذ رأيتها عظيمة الأثر في تاريخ المسلمين عامة وتاريخ مصر خاصة، فأخذت القلم لأكتب عن (موقعة عين جالوت):
كان عام ٦٢٨ فاتحة شر مستطير في العالم الإسلامي: سالت فيه جيوش جنكيز من هضاب الصين تفرق كل شيء وتدّمر كل شيء، طغت على التركستان فجرفت عرش ملوك خوارزم ودارت بالمدن العظيمة تخريبا وتدميرا، وفرّ محمد خوارزمشاه وكان كما قال مسلم بن الوليد:
وطار في إثر من طار الفرار به ... خوف يعارضه في كل أخدود
وورث ابنه جلال الدين ملكا في أيدي التتار، ومجداً بين الطعان والضراب، فصبر وصابر وجاهد ما بين نهر السند إلى حدود العراق يحاول جهده أن يلمّ الشمل ويرأب الصدع، ويخلق من الفرقة اجتماعاً، ومن الضعف قوة، ومن الذعر ثباتاً، ومن اليأس رجاء، حتى اغتالته المنون بعد أن أعجزتها مصاولته، وختلته بعد أن أعيتها مجاهرته
وانتشر الرعب، وعمّ الفزع، ولم يثبت للتتار جيش ولا حصن في شرقي البلاد الإسلامية