وما لي أكلف نفسي الوصف ولا أستمع لابن الأثير، وقد عاش على شاطئ هذا الطوفان، وأحس لفح هذه النار، يحدّث حديث الوقائع:
هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها عمت الخلائق وخصت المسلمين فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتل بمثلها؛ لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها. . . الخ
- ٢ -
مات جنكيز خان سنة٦٢٤ بعد أن قسم بين أولاده ما فتح من الأرض وما لم يفتح، وامتد الفتح في آسيا وأوربة، وكانت غِيَر، حتى أرسل بنكو قاآن حفيد جنكيز - أخاه هولاكو سنة٦٥١ ليفتح حصون الإسماعيلية ثم يفتح بغداد فأخضع أمراء إيران والقوقاز إلى عام ثلاثة وخمسين واستولى على أكثر قلاع الإسماعيلية.
ثم جاءت الطاٍمة الكبرى فاستولى على بغداد، ومحا الخلافة العباسية تاسع المحرم سنة ست وخمسين وستمائة (١٦ يناير ١٢٥٨) لقد طوى أجداده الممالك الإسلامية إلى العراق، ثم أصاب هو المسلمين في الصميم إذ أخذ بغداد التي لبثت مقر الخلافة وقبلة المسلمين في العلم والحضارة أكثر من خمسة قرون
ماذا يصد هولاكو عما يشاء؟ من ذا يقف للجيوش التي لبثت ثلاثين سنة تسير من ظفر إلى ظفر، ومن مملكة فتحتها إلى مملكة قدر لها أن تفتحها؟ إن آسيا ما بين قراقروم وبغداد في قبضة أبناء جنكيز، وإن أوربا الشرقية إلى البحر الأدرياتي قد عنت لأمرهم. ليس على هلاكو إلا أن يسير الجيوش فتطوي الأرض، ويثير الحروب فتخر الممالك، ويوعد الملوك فيخذلها جندها، وينزل بالمدينة فتسلمها أسوارها. عزمة تسخر له الشام، وأخرى تقهر له مصر، ثم عزمات تبلغ به بحر الظلمات
- ٣ -
سار التتر إلى الشام فلم تستطع حلب لهم دفعا، وهؤلاء المعتصمون بقلعتها لن يجديهم الاعتصام، ولا مناص لهم من الاستسلام بعد شهرين. وسارع أهل حماة إلى حلب فأعطوا