كان ذلك في الحصة السادسة وقد تسربت أذهان التلاميذ من نوافذ المدرسة وأبوابها إلى منازلهم حيث يهيأ لهم طعام الغداء وحيث ينتظرهم أهلهم وذووهم. . وقد كانت سحابة من التعب تلوح على وجوه التلاميذ تظهر من ثناياها إشراقة خفيفة من الأمل في الانتهاء من اليوم المدرسي وإلقاء هذا العبء الذي أثقل كواهلهم من أول النهار إلى منتصفه تقريبا؛ فهم لذلك يستحثون عقرب الساعة كما يستحث الناس آخر يوم من رمضان. وكنت أحس أن آذان التلاميذ ظامئة إلى موسيقى الجرس الآذن لهم بانتهاء اليوم ومغادرة المدرسة، ولعلهم لو فطنوا لقرءوا في وجهي من بين ثنايا هذه القوة المقتطعة من الضعف وذلك العزم المأخوذ من الإعياء مثل ما أقرأ في وجوههم أو بعض ما أقرأ. . ولكنة التلميذ الذي يعتقد أن مدرسه من حديد لا يلحقه الكلل أو التعب! وإن صدر النهار وآخره عنده سواء. ٠ وكان موضوع الدرس هو (السلع الآدمية) من كتاب (المطالعة المختارة) للمدارس الثانوية. وخلاصة الموضوع - ولا أثقل عليك - أن شابين إنجليزيين جلسا على حديقة منزل بإنجلترا وسرحا بصرهما فيما حولهما فوجدا من محاسن الطبية ومفاتنها ما يأخذ النفس إعجابا ووجدا الطيور تنتقل من غصن إلى غصن في حرية وانطلاق؛ بل وجدا كل ما في الحديقة يدعوا إلى الحرية والانطلاق. تذاكر الشابان أن الحرية حق طبيعي، ويجب أن ينعم به الناس في الأرض كما تنعم به الطيور في جو السماء، وإن شقاء الإنسان مبعثه الإنسان، وما يدعيه الغربيون من مدينة وحضارة ليس ألا ستار يحجب عن الأعين كثيرا من الرذائل والوحشية. وعرضا لما يجري إذ ذاك من تجارة الرقيق فاعتزم الشابان أن ينتشلا وطنهما من تلك الحماة ويطهرا سمعة الأمة الإنجليزية من جريمة الرق المنكرة. . وقد كانت تجارة الرقيق في ذلك العهد قائمة على قدم وساق، فقد حدث أحد السائحين انه رأى زنجيين يصيدان السمك في داهومى وقد ملآ منه أسفاط عدة؛ فسمعا واقع أقدام خيل مقبلة فتركا ما صاداه وفرا هاربين من تجارة الرقيق الأوربيين، ولكن التجار أدركوهما وسلكوهما مع من معهم من الرقيق.
وقد بر الشبان بوعدهما. ونشر رأيهما في بلادهما، فصادف نفوسا تكره الظلم، ولم يمض