المعروف عن رجال السياسة في أمم الغرب أنهم أوسع اطلاعاً وأكمل ثقافة من رصفائهم في الأمم الشرقية، فمنهم الأدباء والناقدون، ومنهم المشتغلون بالفن أو بالعلم أو بالرياضة، وقل منهم من ليست له مشاركة في موضوع من موضوعات الذوق أو التفكير
لكن العجيب فيهم مع ذلك أنهم يعدون في بلادهم من أقل الناس اطلاعاً على الدراسات النافعة في شؤون السياسة العصرية، أي الشؤون التي هم بها مشتغلون وعليها عاكفون، كأنما يستنكف أحدهم أن يتعلم شيئاً في مسألة من المسائل هو أحرى أن يجلس فيها مجلس الأساتذة المعلمين!
ومن هنا يعتورهم السهو والتقصير، وتتعرض أحكامهم على المسائل العالمية لما يشبه الغفلة والإهمال
مثل من الأمثلة الكثيرة على ذلك هذه المحالفة الشيوعية النازية التي وقعت عند الأكثرين موقع المفاجأة والغرابة وفي طليعتهم أقطاب الوزارة والسفارة
ففي الوقت الذي كان فيه بعض السفراء والوزراء يعانون صدمة المفاجأة من جراء هذه المحالفة الغربية كان قراء الكتب السياسية يتلقونها كما يتلقون نبأ جائزاً في التقدير بل مرجحاً أعظم الترجيح في الحسبان
ففي أوائل هذه السنة طبع كتاب الناقد السياسي والخبير الاقتصادي الدكتور بيتر دركر الموسوم بنهاية الرجل الاقتصادي أو الرجل الذي يفترضه الشيوعيون والنازيون فإذا بالمؤلف يقول عن المحالفة بين الروسيا والأمم الديمقراطية: (إنها قد أحدثت من الأضرار ما لم تحدثه قط غلطة سياسية في السنين العشرين الأخيرة. فلن تقع الآن حرب بين ألمانيا وروسيا ما لم تعترض في الطريق قارعة لا تخطر على البال. . . ومتى امتنعت الحرب فلا بد من محالفة تربط هاتين الدولتين في وجه العالم الغربي بأسره، ولا ينبغي أن ننظر إلى الحرب بينهما إلا على اعتبار أنها فكرة متمناة أو أمنية ترد علينا مورد التفكير. . . أما الواقع فهو أن الدولتين خليقتان أن تتقاربا وتتحالفا لأنهما متشابهتان في لباب العقيدة وأحوال الاجتماع. ومن الحق أن نترقب هذه المحالفة ولو ناقضتها في الظاهر جميع