لا أزال أتذكر الحيرة الشديدة التي تملكتني عندما تصفحت المعاجم العربية الحديثة قبل سنوات. فقد كنت أريد تزويد ابني بمعجم صغير يرجع إليه في معرفة معاني الكلمات من جهة، ورسم حروفها من جهة أخرى؛ فاستشرت جماعة من معلمي العربية وعلمائها عن أحسن المعاجم المختصرة التي تحقق هذا الغرض. . . غير أني، عندما قلبت صحائف المعاجم التي دلوني عليها وقعت في حيرة، إذ وجدتها جميعها مرتبة على نمط المعاجم القديمة، وسائرة على خططها، لأنها ترتب الكلمات بحسب موادها الأصلية، ولا تراعي ترتيب الحروف الهجائية إلا في تلك المواد. . .
وحيرتي هذه تحولت إلى دهشة شديدة عندما أفضيت بها إلى جماعة المعلمين والعلماء، ووجدتهم يحارون لحيرتي ويستغربون لاستغرابي، كان الأمر من الأمور الطبيعية التي لا داعي للحيرة فيها، ولا مساغ للاعتراض عليها. . .
ودهشتي هذه وصلت إلى أقصى حدودها عندما رأيت هؤلاء ينبرون للدفاع عن خطط تلك المعاجم. . . إذ قال أحدهم:
- ولكن اللغة العربية لا تشبه سائر اللغات. . .
وقال آخر:
- إن طبيعتها تختلف عن طبيعة تلك اللغات. . .
وما كدت أستفيق من الحيرة التي أوقعتني فيها هذه الكلمات حتى همت بالرد قائلاً:
- وما علاقة المعجم بطبيعة اللغة؟ إن الغرض من المعجم هو ترتيب الكلمات ترتيباً معقولاً، يضمن الوصول إلى إيجاد الكلمة المطلوبة بأعظم ما يمكن من السرعة والسهولة. ولا شك في أن هذه السرعة والسهولة لا تحصلان إلا بترتيب الكلمات بحسب حروفها الهجائية، ومن البديهي أن هذه ليست من الأمور التي تختلف بين لغة وأخرى بوجه من الوجوه.
غير أن معلماً ثالثاً اشترك في البحث سائلاً:
- يعنى، تريد أن تكتب مثلاً كلمة الاستغفار في مادة الألف، وكلمة الغفران في مادة الغين؟