فقال المعلم بلهجة المؤمن المعتقد الذي يثورعلى أمثال هذه البدع:
- ولكن هذا لا يجوز في اللغة العربية. . .
فسألته: لماذا؟
فأجابني بحيرة ظاهرة:
- لأننا إذا فعلنا ذلك لا يتعلم الطلاب، مثلاً، أن الاستغفار من باب الاستفعال، وأن مادته الأصلية هي غفر. . . فحاولت أن أقنع مخاطبي ببعض البراهين، فقلت:
- أن لتعليم هذه الأمور ألف وسيلة ووسيلة. . . حتى إن المعجم الذي أتصوره وأقترحه يكون - هو أيضاً - من أحسن الوسائط لذلك: يدرج القاموس كلمة الاستغفار في المحل الذي يتطلبه ترتيب حروفها الهجائية، ويذكر بجانب الكلمة مادتها الأصلية. . . فيجد الطالب الكلمة في المعجم بكل سهولة، ويتعلم - في الوقت نفسه - من قراءة ما كتب عنها أن مادتها الأصلية هي غفر، وأنها تدل على طلب المغفرة. . .
سكت مخاطبي كما سكت زملاؤه. غير أنني لمحت في أعينهم ما يدل على أن هذا السكوت لم يتأت من الاقتناع، بل تأتى من الاعتقاد بأن كل اعتراضاتي هذه ما هي إلا نتيجة عدم إلمامي بقواعد العربية الإلمام الكافي، وعدم فهمي لخصائصها الفهم اللازم. . .
مضى على هذه المناقشة أكثر من عشرة أعوام. . . ثم عدت إلى قضية المعاجم - في هذه الأيام - مرة أخرى، وعلمت - في حيرة جديدة - أن اللغة العربية لم تحظ إلى الآن بمعجم عصري بالمعنى الذي يفهم من كلمة المعجم في جميع لغات العالم. . . كما علمت بأن المجمع اللغوي الملكي نفسه لم يقدر أهمية هذه القضية حتى قدرها، ولم يدخلها في عداد الأعمال التي يسعى لتحقيقها. . .
فرأيت من الواجب على أن ألفت أنظار علماء العربية ومعلميها إلى هذا الأمر إلهام من فوق منبر (الرسالة) الغراء، وأن أدعوهم إلى العمل على إزالة هذا النقص الفادح.
أن المعجم بمثابة مخزن للكلمات، معد لمراجعة جميع الناس، بحيث يستطيع كل شخص أن يدخل هذا المخزن فيتناول منه الكلمة التي يقصدها، دون أن يحتاج إلى مساعدة أحد يدله على موضعها. . . ولهذا السبب تصنف الكلمات في هذه المخازن العامة تصنيفاً يضمن