وقلت للأستاذ النعيمي عقب وصوله إلى لبنان: هل أعددت وراءك غربالاً آخر؟ فأجاب: ذاك غربال انطوى، فتحت به طريقي إلى النور، والآن أراني سائراً إلى المحجة التي فرضتها على الحياة، أو فرضتها عليّ الحياة. . . .
فأعطانا (المراحل) وكتاب (جبران خليل جبران)
(خ. هـ)
- ١ -
وجه جبران خليل جبران
وما إن صدر كتاب (جبران خليل جبران) حتى تناولته الأكف، وتهافت عليه الناس. وما إن تلاه الناس حتى ضجوا به، وتفرقوا في شأنه شيعاً، شان العظيم لا يعرف أحداً معه معتدلاً: فمن ناقم على النعيمي لأنه فضح أسرار صديق كان يجب عليه أن يحفظ حرمته بعد الموت، ومن محبذ لأن الأدب لا يعرف تستراً! والحقيقة لا تعرف مواربة؛ وهكذا ذهب الناس في شأن الكتاب مذاهب مختلفة، وللناس مذاهبهم
أراد البعض أن يدرسه جملة، فخرج من درسه بما لا يرضاه، وشاء البعض أن يذهب في نقده ما يفرضه الناقدون على غيرهم من أساليب جافة، ومقاييس محدودة؛ ومتى كان الأدب - ابن الحياة - بقبل الحدود والقيود؟
الكتاب عظيم بنفسه، متفرد بروحه وبطريقته وبنقده، صارم ما شاءت الصرامة، وعادل ما شاء العدل. ولن نتبين هذه النقطة التي تمازج فيها العدل والصرامة في مواطن كثيرة، إلا إذا اطلعنا على المقياس الذي أعلن عنه نعيمة في مطلع الكتاب، وهو مقياسه الخاص في الأدب والفن والحياة، فإذا فهمنا هذا المقياس فهمنا الكتاب، وإذا أعرضنا عن هذا المقياس