لا يريد نعيمة أن يعرض في كتابه تاريخاً له تفاصيله وله آفاقه، والبشرية - في اعتقاده - لم تكتب حتى الآن تاريخ إنسان، ولا تاريخ شيء على الإطلاق، وإنما أراد أن يجري في درسة لحياة جبران مع عقيدته الشائعة في نفسه (إن الفن مهما تسامى في نظر صاحبه ونظر الناس ليس من الأهمية على شيء ما لم يترجمه صاحبه والناس إلى قوة تنشط بهم من عقالات المعيشة المحدودة إلى حرية الحياة التي لا تحد - من الإنسان في الله إلى الله في الإنسان - والأدب مهما جمل لا معنى له إلا على قدر ما يكشف معنى الحياة الذي هو أثبت من الأرض وأبقى من السماء)
درس النعيمي جبران بهذا المقياس، ويدرس الأدب كله في جبران، والأدب عنده هو مثل أعلى إذا ربط الإنسان به حياته اللحمية والروحية، وهذا مقياس جاد صارم، لا يجعل من الأدب ملهاة، وإنما ينزله منزلة الحياة. . . وأنت واقع في الكتاب على فصول متنوعة، هي بجملتها حياة جبران، وهي بمجموعها تاريخ ذلك الصراع المادي لتذعن له المادة، وذلك الصراع الروحي المستمر لينقي روحه من أدرانها وشهواتها الأرضية. وفسادهما أن صاحبهما يحاول أن يفوز فيهما في وقت واحد
في الكتاب تاريخ جبران الإنسان، وجبران الفنان، وجبران الشاعر؛ تاريخ هؤلاء الأشخاص المفترقين تحت لواء عقل واحد. يمشي كل منهم في طريق؛ ولا يدري أين سلك رفيقه. وعقل جبران يظن أن نفسه هادئة مطمئنة - ونفسه منشقة على نفسها. جبران الإنسان لا يلتقي وجبران الشاعر الفنان إلا بالخيال؛ والخيال وحده لا يكفي إذا لم يقو على الإرادة، ويجنحها بجناحيه ويطير بها إلى حيث شاء
رسم النعيمي في كتابه لجبران وجوهاً كثيرة: منها وجه جبران الفنان، ووجه جبران الإنسان، ووجه جبران الطافح تمرداً، ووجه جبران الهادئ الذي جمدته السنون وارتسمت في غضونه الحكمة. أما جبران الفنان فأنت واجده في كل أدوار حياته التي أثرت فيه وأثر فيها، مهما كان من تباين بين شعره وفنه فالرجل استطاع أن يكون. . . برغم المصاعب التي اعترضته وبفضل المصادفات التي خلقت ذلك وفرضت ذلك. جبران الشاعر كغيره من الناس تسكره الشهرة وتستهويه لمعانها، وهو بعد جهاد عنيف استطاع أن يبلغ بخياله