آلت هذه الدعوى بالرشيد إلى القبض عليه وتجريده، ثم إنفاذه مكبلاً إلى قوص وسجنه بها، وكان حاكمهاً (طرخان) ممن يسرون له عداوة قديمة؛ فشهره في الاسواق، ولم يقصر في إضعاف العقوبة له، ولكن سرعان ما ورد الأمر من قبل الملك الصالح بإطلاق سراح الرشيد، ولما يمض على اعتقاله أكثر من ليلتين (وكان الصالح إذ ذاك والياً على منية ابن خصيب)
ومن الغريب حقاً أن يكون هذا كل ما ينال الرشيد من عقوبة على دعواه الجريئة؛ وما من ريب في أن التهمة - بهذا الوضع - مبالغ فيها، ولا سيما إذا ذكرنا أن بعثته إلى اليمن وقعت في عهد الخليفة الحافظ لدين الله، والد الخليفة الظافر الذي رثاه الرشيد أول مقدمه إلى القاهرة
وقد حدد موعدها الأدفوي بعام تسع وثلاثين وخمسمائة - أي قبل وقفته في رثاء الخليفة الظافر بعشر سنوات - فهو لم يكن وقت هذه البعثة على شيء من الجاه أو النفوذ، يكفل له النجاة من عواقب دعوى جريئة، كتلك التي نسبت إليه، إن كان يجدي في مثل هذا نفوذ أو جاه!
نعم، قد يكون لسعي أخيه (المهذب) الذي كان عظيم الحظوة لدى الملك الصالح أثره في العفو عنه. . . ولكن، هل يتفق مع نوع هذه التهمة أن يأمر الصالح - بعد ليلتين من وصول الرشيد - بإطلاق سراحه والإحسان إليه، فيحضره والي قوص من سجنه مكرماً - كما يذكر ياقوت -؟
التهمة ولا شك مبالغ فيها - كما ذكرنا - وغير مستبعد أن تكون قد دست عليه في جملتها وتفصيلها، ثم تبينت براءته منها بوجه لم يدع إلى مؤاخذته سبيلاً. ويؤيد هذا الرأي عندنا