في الأدب اجتهاداً لم يغلق بابه كما أغلق في الفقه وغيره من علومنا الشرعية، وقد كان لامتياز الأدب بهذا على غيره من العلوم أثر كبير في ازدهاره في هذا العصر، وفي وصوله إلى ما لم يصل إليه في عصر من العصور السابقة، وهو في هذه النهضة المباركة شغل الطالب في معهده، والتلميذ في مدرسته، بل شغل الناس جميعاً على اختلاف أنواعهم ومذاهبهم. ولو أن غير الأدب من العلوم كان له حظه من فتح باب الاجتهاد لم يصر إلى هذا الجمود الذي صرف الناس عنه، وجعلهم يكرهون النظر فيه، ويخشون ما يصيبهم من العنت إذا خرجوا عن مألوفه
وللنفس حاجات في هذا الاجتهاد المغلق تجعلها تحن إليه الفينة بعد الفينة، فإذا خشيت العنت أو أصابها فيه شيء من العنت عدلت عنه إلى غيره حباً في المسالمة، أو يأساً من حال الناس في هذه الناحية؛ ولا تجد مثل الأدب في رحابة صدره للاجتهاد، وعدم ضيق أهله بأثر الاجتهاد فيه، فتلج بابه، وتسلى عنها به ما يصيبها من أذى الناس وجحودهم لفضل المخلصين العاملين فيهم
وهأنذا الآن بصدد الكتابة عن الكميت بن زيد الأسدي، وبصدد التنويه بالفتح الجديد الذي فتحه في الأدب العربي بهاشمياته، لأرفعه بها إلى درجة الزعامة على شعراء عصره (عصر بني مروان) ولأبعد جريراً والفرزدق والأخطل عن هذه الدرجة التي اتفق الناس على منحها لهم، ولا عليّ من مخالفة الناس فيما ذهبوا إليه في زعامة الشعراء في هذا العصر، فليس في الأدب كفر ولا إلحاد ولا غيرهما مما يرمي به الباحثون جزافاً في هذه الأيام
ونحن إذا بحثنا في هذه الزعامة الشعرية التي عرفها الناس لجرير والفرزدق والأخطل نجد أن ملوك بني مروان هم الذين روجوا لهذه الزعامة، وهم الذين شغلوا الناس بهؤلاء