الشعراء عن الكميت وغيره ممن يخالف سياستهم، ويناوئ بشعره ملكهم، ويناصر به غيرهم من منافسيهم، وقد مضى عهد بني مروان ومضت بعده عهود وعهود، وكان لحب التقليد الذي مني به الإسلام والمسلمون أثره في بقاء الناس على هذه الزعامة الشعرية
وإنما روج ملوك بني مروان لجرير والفرزدق والأخطل لأنهم وجدوا في شعرهم انحرافاً عن الجادة التي يجب أن يكون الشعر عليها، ووجدوا فيه ما يخدم مآربهم في حكم الأمة الإسلامية حكماً مطلقاً لا يقيدهم فيه قانون سماوي أو وضعي، وفي الاستئثار لأنفسهم وأنصارهم بأموال هذه الأمة وخيراتها، يصرفونها في اقتناء القيان، وشراء الجوار الحسان، وإشباع شهواتهم في هذه الحياة، والقضاء على روح المقاومة للظلم في الأمة حتى تخضع لهم، وتستكين لحكمهم؛ ولا نستثني منهم في ذلك إلا الملك الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقد سار في حكمه القصير على خلاف سيرتهم، وأشاح بوجهه عن أولئك الشعراء الذين كانوا يروجون لهم
ولم يكن مثل جرير والفرزدق والأخطل في ذلك إلا كمثل من يعيش منا الآن بعقول القرون الماضية، ولا يتأثر عقله بشيء من العصر الذي يعيش فيه، فهكذا كان أولئك الشعراء يعيشون بعد الإسلام بعقول الشعراء الذين لم يدركوا عهده، ولم تعمل في نفوسهم رسالته، ولم تؤثر في قلوبهم هدايته، ولم يهذبهم تقويمه وإصلاحه، فاستعملوا شعرهم في خدمة أغراضهم وقضاء مآربهم، وتملقوا به ملوك بني مروان طمعاً في أموالهم ودنياهم، ولم ينظروا فيه إلى الأمة وما تطلبه من الشعر الذي يوفظها من غفلتها، وينهض بها من كبوتها، ويحارب عوامل الفناء التي تعمل عملها فيها، بل ساعدوا خصومها عليها، وعملوا بشعرهم على تفريق كلمتها، والرجوع بها إلى حالة الجاهلية، فكان شعراً رجعياً جامداً بغيضاً، ولا تسري فيه روح الحياة، ولا يصح أن يمون صاحبه به زعيماً في الشعراء
فإذا نظرت في شعر الكميت بن زيد وجدته يمثل لك عصر بني مروان تمثيلاً صادقاً، لا أثر فيه للخداع والغش، ولا يشوهه الحرص الممقوت على الصلات والجوائز، وخيل إليك أنك تعيش في عصر بني مروان مع الذين عاشوا فيه، وأن ظلمهم وإفسادهم حاق بك كما حاق بهم، فأخذ قلبك يضطرب بالحقد عليهم، وأخذت نفسك تضطرم بالثورة على ملكهم، وتنشد في ملكاً آخر يسود فيه العدل، وينتصر الحق على الباطل، وتنهض به الأمة،