للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في الأسبوع]

نجوى الرافعي

أيها العزيز!

(في القلب تعيش الأرواح الحبيبة الخالدة التي لا تَفنَى وفي القَلبِ تُحْفَرُ القبورُ العزيزة التي لا تُنسى)

هكذا قلت (وعواطفي تشيِّع الميت الحبيب مطرقة صامتة) واليوم ماذا أقول؟ أما إنك لتعلم - أيها الحبيب - أن الذي بيني وبينك دنيا تمشي الأحزان في أرجائها نائحة باكية. . . لستُ أكفر بأنعم الله عليَّ أو عليك. . .، كلا، كلا!! لقد ذهبتَ إلى ربك راضياً مرضياً فرحاً بلقائه، مؤمناً بما زَّين في قلبك من الإيمان، وبقيتُ أنا لأبحث عن أحبابي بعدكَ،. . . لأفقِد لذَّة المعرفة التي يفيض فيضها من الصداقة والحب،. . . . لأتلدَّدَ هاهنا وهاهنا حائراً أنظر بمن أثق،. . . لأجدَ حَرَّةَ القلب وكَمد الروح وألمَ الفكر من حبي وصداقتي،. . . لأسير في أوديةِ من الأحزان بعيدة: أمشي وحدي، وأبكي وحدي، وأتألمّ وحدي. . . لا أجدُ من أنفُضُ إليه سرَّ أحزاني،. . .

ذهبتَ وبقيتُ. . . لأتعلَّم كيف أُنافق بصداقتي بعضَ النفاق لأنهم يريدون ذلك. . . لأُجيد مهنة الكذب على القلب لأنهم يجيدون ذلك،. . . . لأتعلَّم كيف أنظر في عيونهم بعينين لئيمتين يلتبس في شعاعهما الحب والبغض، لأنه هو الشعاع الذي يتعاملون به في مَوَداتهم،. . . لأفْنِيَ بقائي في معانيهم المتوحشة إذ كانوا هكذا يتعايشون،. . . لأحطم بيدي بنيان الله الذي أَمرنا بحياطته، وأتعبد معهم للأوثان البغيضة الدميمة التي أنشأتها أيديهم المدنسة القذرة،. . . لأجنِي الثمار المرّة التي لا تحلو أبداً ولكنهم يقولون لي: هذا ثَمَرٌ حُلْوٌ، فلماذا لا تأكل كما يأكل الناس؟

ذهبت - أيها الحبيب - وبقيت. . .، في الحياة التي أولها لذةٌ وآخرها لذْعٌ كأحرِّ ما يكون الجمر حين يتوهج، بقيتُ للحياة التي تريد أن تسلبَ القلبَ براءةَ الطفولة لنملأه إثماً وخداعاً وشهوةً. . . بقيتُ على الحياة في الأرض التي تميد وترجف وتحتدم من تحتي، لأنها تنكر الإيمان الذي يمد بسبب إلى السماء. . . بقيتُ بقاءَ حبة القمح في رمال الصحراء المجدبة لا أجد مائي ولا تربتي. . . ولا من يزرَعُني. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>