للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شدَّ ما اختلفتْ عليَّ أحداث الحياة من بعدِكَ أيها الحبيب!

كنتُ أشكو إليك ما أُلاقي من ظمأ الروح الهائمة، وهي تطوف بحسراتها على ينابيع الحياة لا تنتهي ولا تستطيع أن ترِدَ. . . كنتُ أبثّك كأحزاني وهي جالسةٌ توقِد النارَ على نفسي وتؤرِّثها بأفكاري القلقة التي لا تهدأ ولا تنقطع. . . كنتُ أشكو إليك آلامَ الشَّوْكِ الذي تنْبِتُهُ في قلبيَ الشكوك العاملةُ الناصبة التي جعلتْ همَّها تعذيبي بالحيرة والخوفِ والحرمان. . . والحقيقة المؤلمة أيضاً. . . كنتُ أجدكَ حين ينبغي أن أجدَك، لأقول لك ما يجب عليَّ أن أقول. . .

شدَّ ما اختلفتْ علي أحداثُ الحياة من بعدك أيها الحبيب! وهاأنذا أريد أن أجدَ بعدكَ من أضعُ في يديه الرفيقتين هذه الجروح الدامية النابضة التي أسمِّيها قلبي. . . أريد أن أضع أفكاري التائهة في بيداءِ الظنون المغفرة، بحيثُ تجدُ مَن يتولى أمر إرشادها إلى رَوضَة اليقين الناضرة. . . أريد أن أجدَ مَلْجئ المؤمن حين تطارِدُني من الظنِّ صعاليكه الكافرة. . . أريد أن أعرف لذَّة الصداقة والحبِّ حين لا أجدُ من الحياة إلاَّ آلام صداقتي وحبي. . أريد. . أُريدُ!. . . أُريدُ مَنْ أقول له: ها أنذا بعذابي وضَعفي وخُضوُعي؛ فيقول: وها أنذا بصبري وقوَّتي وحبي لك. . أُريد من أقولُ له: هذه جروحي التي تَنْفُثُ الدمَ لا ترقأُ ولا تستريحُ ولا تبرأ إلا على وعي من دَمِها؛ فيقول لي: وهذا طِبِّي الذي يحسمُ هذا الدم لتستريحَ وتبرأَ من أَلم النزيف، يا بنيَّ. . .!

(يا بني. . . .) هذه طفولتي، أريد من يحنو علي بها حنو الأم على صغيرها الذي هو كل أشواقها الرقيقة من قلب نبيل رقيق. . . (يا بنيَّ. . .)، هذه طفولتي، أريد من يمسح بها أحزاني التي حيَّرت بصري لأعرف من بعد طريق رجولتي التي تريد أن تعمل وأن تسير وأن تصل إلى سر أشواقها البعيدة الجميلة. . . (يا بنيَّ. . .)، هذه طفولتي، أريد من يعرف أني طفل وديع حين أؤوب من كدي وكدحي، فيتلقاني بين ذراعيه إلى قلبه لأشعر بحنان من الروح يطفئ غُلتي، ويرسل في أعصابي ريها من الحب، الحب الذي هو فجر الحياة بنعومته ورقته وطهره، الحب الذي يرد القلب الظامئ زُهرة تتفتح في جو من النور والندى والشباب. . . (يا بني،) من يقولها لي يضع في نبض أحرفها نبض الحب. . .

أين أنت أيها الحبيب؟ كنتَ أخي وصديقي ومن أستودعه سر قلبي المعذب في تنور الحياة

<<  <  ج:
ص:  >  >>