ثم جاءت الفوتوغرافيا فمكنت الإنسان في ساعة قصيرة مما كان يتطلب منه أياما طويلة، وقدّرته بمجهود فني مركز قليل، على ما لم يكن يقدر عليه إلا بمجرد قاس منهك كبير، وكانت الفوتوغرافيا في منتصف القرن الفائت في أول نشأتها، فكانت الخدمات الأولى التي أدّتها إلى علماء الأفلاك منقوصة مقصورة. ولكن ما لبثت أن تقدمت هذه بتقدم تلك، ورقب بحاث السماء بحاث التصوير فاستفادوا من كل جديد، وغيروا وحوّروا من الطرق المستحدثة حتى تتفق مع حوائجهم، وزادت تلك الحوائج وتضخمت حتى انفردت بمبحث خاص أسموه الفوتوغرافية السماوية هي اليوم من أهم الوسائل وأقرب الوسائط في دراسة كل ما يحدث في العوالم الدوّارة والشهب السيارة، وللتصوير الشمسي في دراسة النجوم والأقمار ميزات غير الميزة الظاهرة ترجع إلى طبيعة العدسات وإحساس الأفلام. فعين الإنسان مثلا إذا حدّقت في شيء مباشرة أو بواسطة منظار فهي لا ترى من هذا الشيء إلا بعضاً صغيراً من كل كبير، لذلك كان الرسامون القدماء يرسمون القمر بأقلامهم من خلال المنظار قطعة قطعة، وخريطة خريطة، ثم يصلون بين هذه الخرائط لتتم الوحدة، وذلك لأن عيونهم لا تستطيع أن تُبَوئر من المنظور إلا منطقة قليلة، أما عين الكمرة فأوسع من عين الآدميّ واشمل، فنظرة واحدة منها تعدل نظرات المئات من الناس. وعين الكمرة يتراكم فيها أثر المنظور بتطاول الزمن، وليس هذا لعين الإنسان، فأنت تنظر الشيء القليل الضياء فلا تراه أبداً أو تراه مبهما، ولا تفيدك إطالة النظر إليه إلا تعب العين فزيادة الإبهام، أما الأثر في الكمرة فكيميائي فللزمن عامل فيه، فكلما زاد التعريض زاد الأثر فبان الخفي واتضح المبهم. وقد رأت الكمرة وترى في السماء أجراما عميت عنها النواظر. وعين الكرة تحس أضواءً من أنواع لا تراها العين، فالعين لا ترى إلا المرئيّ