للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مِن هنا ومن هناك

من خدع المستعمرين:

(مقدمة إلى المجاهدين من شمال أفريقية)

بتاريخ ٥ مايو سنة ١٨٦٥ أرسل نابليون الثالث ملك فرنسة إلى مسلمي الجزائر بعهد ننشره تبياناً لمقدمات الاستعمار، وخدع المستعمرين المختلفة:

السلطنة الفرنسية - إعلان من حضرة الإمبراطور سلطان الفرنسيين إلى جميع المسلمين في المملكة الجزائرية: إن الدولة الفرنسية لما وضعت قدمها في وطن الجزائر منذ ٣٥ سنة لم يكن مرادها تمزيق شمل سكان الوطن المذكور، بل المراد خلاصه من الظلم المترادف عليه منذ أحقاب. وقد جاءتكم بحكم أعدل وأبلغ رشداً مما كانت عليه القوانين التركية التي خلفناها. ومع ذلك فإنكم في السنين الأولى من الاستيلاء وقع لكم قلق واضطراب لرؤيتكم أمة أجنبية تتصرف فيكم، فلذلك قاتلتم من خلصكم من الظلم. ومعاذ الله أن نظن أن ما صدر منكم يومئذ كان ذنباً يوجب الملام، بل نجل ما جبلتم عليه من الخصال الحربية التي حملتكم على رفع السلاح في وجوهنا، وأنتم منتظرون قبل الإذعان لنا إجراء حكم الله.

ولكن قد نفذ حكمه بما أراد فليس إلا الرضا بما قدرته الحكمة الإلهية التي تبلغ المرء إلى الخير في الغالب وتضطره أحياناً إلى عدم نيل مراده وخيبة قصده وعكس اجتهاده.

ومثل ما وقع بكم حل بأسلافنا منذ عشرين قرناً فقد هجمت عليهم أمة أجنبية، فلم يخضعوا لها وقابلوها مكافحين ثم هزموا. ومن يومئذ تحولت حالهم إلى أحسن منها، وهو مبدأ تاريخ رقيهم، وإن (الفولر) أسلافنا لما انهزموا تخلقوا بخلق الرومانيين المنتصرين عليهم. وبالاتصال الدائم، مع اختلاف فضائلهم وعاداتهم تولدت منهم على مرور الأزمنة هذه الأمة الفرنسية التي وقت الله لها وقتا لتنشر في الدنيا ما ألهمها الله من محاسنها.

ومن يدري! لعل العرب في يوم آت يجدون مساعدة وعونا على الاستقلال في بلادهم، كما كانوا قبل في القرون الماضية مسيطرين على بعض سواحل البحر الأبيض المتوسط ولكن لا يكون ذلك إلا بعد صلاح أحوالهم واختلاطهم بالأمة الفرنسية.

فارضوا أيها العرب بما حكم الله به، وقد قال تعالى (تؤتي الملك من تشاء) وحيث أقدرني الله على هذا الملك بقدرته، أريد أن أصرف أموركم بما يؤمن مصالحكم وخيركم، وقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>