للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العلم التبشيري]

للأستاذ عباس محمود العقاد

الدرس العلمي يخدم الحقيقة ويبحث عنها ويرحب بها ولا يكره إظهارها حيث كانت في مذهبمن المذاهب أو إنسان من الناس

أما الدرس الذي يكره إظهار الحقيقة لأنها تخص مذهبا غير مذهبه، أو تشيد بفضل إنسان على غير اعتقاده، فليس ذلك بدرس علمي ولا بعلم، إنما هو تبشير أو دعاية أو هوى مدخول.

ومن هذا القبيل درس كاتب في مجلة (المقتطف) يستره بدعوى العلم الصرف وما هو بمستور، ويمزجه بنوازع التعصب الخفي عامداً أو غير عامد وما بها من خفاء

كتبنا عن عائشة كتابنا (الصديقة بنت الصديق) وعقدنا فيه الفصول لنقول إنها رضى الله عنها كانت امرأة تامة الأنوثة في طبيعتها وخلائقها. فأعجب كاتب المقتطف بهذه الطريقة وقال من عنده: (. . . ومن محاسن هذه الطريقة أن المترجم مهما يعظم ويخطر ينزل منزلة الإنسان. فالسيدة عائشة على فضلها أنثى تامة الأنوثة: تغار وتفرط في الغيرة حتى أنها لتدب بين إحدى ضرائرها والرسول ابتغاء الاستئثار به، وإنها ذات حدة طبعية، وإنها ظلت تحمل الحقد لمن نصح للرسول أن يطلقها، وإنها مالت إلى ذوي قرباها في أمر الخلافة)

انتهى كلام كاتب المقتطف الذي يصطنع الدراسة العلمية وما هو منها في غير باب الفهارس والعناوين

ونحن لم نقل إن السيدة عائشة حملت الحقد أو دبت بين الرسول وبين إحدى زوجاته، فهذه عبارات الكاتب راقه أن يعبر بها عما أراده، وبينها وبين ما ذكرناه فرق محسوس

إلى هنا نحن علماء، وطريقتنا في النقد لها محاسن؛ ولكننا على ما يظهر لا نكون علماء ولا تعرف لطريقتنا حسنة إلا إذا وقفنا عند هذا الحد في الكتاب كله من ألفه إلى يائه. فأما إذا أسفر النقد عن محمدة أو عن تبرئة من مذمة فقد كفرنا بالعلم وخرجنا من محاسن الطريقة إلى السيئات

ولهذا عاد كاتب الفهارس والعناوين يقول: (وتلك مزية في الإنشاء قد تحرف المنشئ إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>