أقام المعلمون على اختلاف هيئاتهم يوم الثلاثاء الماضي احتفالاً كبيراً في ناديهم بالجزيرة لتكريم معالي الدكتور طه حسين بك وزير المعارف.
أخذت طريقي إلى المكان الاحتفال، فما بلغت كبري قصر النيل وهبت علي نسمات النيل الرقيقات حتى أغرتني هذه النسمات بالتمهل، ورعى الله ليالي كنا (نتسكع) فيها على كبري قصر النيل، إذ لا نجد أرحب من أحضانه ولا ألين من أعطافه، وكما بثثنا النيل من بين قضبانه شكوانا، وكم أودعنا الموج آمالا كان حريصاً عليها، فلما بلغنا ما بلغناه منها لم نجده شيئاً.
ويظهر أن مشية الهوينى على ذلك الكبري تستدعي الخواطر وتبعث حديث النفس، هذه جموع المعلمين وغيرهم من المدعوين تتدفق إلى الجزيرة الفيحاء لتكريم طه حسين: قلت لنفسي: ترى لمن التكريم، ألطه حسين ذاته، أم لوزير المعارف؟ قالت نفسي: لكليهما، ألا ترى أن الرجل لم يكرمه أحد قبل أن تقبل عليه الوزارة، وأن هؤلاء المعلمين لم يكرموا وزيراً من قبله، وقد تعددت فيما مضى المناسبات التي كان طه حسين يستحق فيها التكريم قبل ذلك، وتعاقب وزراء لم يصنعوا ما صنع فلم ينهض أحد لتكريم أحد منهم، فالمسألة إذن فيها تفاعل، رجل يستحق التكريم والظروف مهيأة، وأقبلت علي نسمة يظهر أن مثيلاتها كانت تداعب أفكار الفلاسفة، إذ قفز إلى ذهني خاطر لا بأس به. طه حسين يكرم نفسه طول عمره بأدبه وعمله وقد بلغ بذلك ما بلغ، مما يقصر دونه كل تكريم، وهؤلاء المعلمون الذين يكافح هو من أجلهم، وقد أصابوا من كفاحه شيئاً وبقيت آمال في أشياء - يشعرون بواجب العرفان ودافع الوفاء لمعلم قام من بينهم وأنفلت إلى الصفوف الأولى وهو لا يزال يعيش معهم بوجدانه ومشاعره، فهم يكرمون فيه فكرة تتمثل في المعلم المكافح الساهر على مصالحهم وآمالهم في طريق المصلحة العامة والخير العام، وهو نفسه يشارك في هذا التكريم!
وأضم إلى ذلك ما قاله الأستاذ محمد رفعت بك في كلمته بالحفل إذ تساءل: لماذا لم يكرم