وإذا كان الأديب الفاضل يريد أن يعتمد على المؤلفات الأجنبية المترجمة إلى العربية، فليس من شك في أن الاعتماد عليها غير كاف ولو أنه مفيد. غير كاف لأن اللغة العربية لم يترجم إليها غير النزر اليسير من آثار الفكر الغربي، إذا قيس هذا الذي نقله الناقلون إلى ما لم ينقلوه بعد ولم يتح للكثيرين أن يطلعوا عليه. غير كاف من هذه الناحية ومفيد من ناحية أخرى، وهي أن هذا العدد الذي ترجم من المؤلفات الأجنبية يعطي القارئ العربي فكرة عامة عن مناهج التفكير وطرائق التعبير عند الغربيين، فكرة عامة ولا نقول فكرة كاملة. . . ولكنها كسب معنوي على كال حال!
أما عن وجود التفاوت بين الأصل والترجمة في الروح فهذا أمر لا جدال فيه، لأن لكل لغة من اللغات خصائصها البيانية وقيمها التعبيرية وآفاقها المختلفة وأخيلتها المتباينة، وكل هذه الجوانب معرضة لشيء من التغيير الذي يمس روح النص إذا ما نقل إلى بيئة غير البيئة ووطن غير الوطن. . ولكن هذا التغيير متفاوت الأثر تبعاً لتفاوت الملكة الناقلة عند الكتاب المترجمين، لأن هناك من يقضي على روح النص بركاكة الأسلوب وضعف الأداء، أو بسوء الفهم وانحراف الذوق، أو بغير ذلك من العوامل المؤثرة على حركة اللفظ وحرارة العبارة. . وضع هذا الطراز من المترجمين في كفة، لتضع في الكفة المقابلة طرازاً آخر يمتلك القدرة على الترجمة الصادقة والأداء الأمين، بما أتيح له من الإجادة الكاملة للغته ولتلك اللغة الأخرى التي ينقل عنها في حذق ومهارة. ولكن مهما بلغ المترجم من الإجادة والصدق والأمانة فإن روح النص في غير لغته لا يمكن أن تسمو إلى المستوى الحقيقي لهذه الروح في لغتها الأصيلة التي يتذوقها المتذوقون!