. . . أما احتراف الأدب، والكتابة في الصحف، ومعالجة الشعر، فهذه في الشرق ضروب من الفقر - كما هي ضروب من الحرفة - غير أنه فقر عاقل مميز يذهب بنفسه إلى السمو، وينزع إلى الحق، ويستنكف أن ينحط إلى منزلة الفقر العامي الجاهل. . .!
فالحوذي، والكناس، والمتسول، وأمثالهم من هؤلاء الذين يضطربون في معاشهم اضطراب الكرة الأرضية، يقطعون كل أربع وعشرين ساعة دورة حول أنفسهم. . . هؤلاء يتزوجون إذ لا يتورعون أن يظلموا المرأة، وأن يزيدها من فقرهم فقراً، ومن قلتهم قلة؛ ثم هم لا يبالون حاجتها من الحياة، ولكن حاجتهم منها هي. . .
فالمرأة عندهم وظيفة حياة طبيعية لا يشترط فيها إلا شرط الغريزة والعادة الاجتماعية. وفي طبقاتها في النساء من لا يصلحن إلا لهم؛ وقد أعدتهن رحمة الله إعداداً طبيعياً، وأمدتهن بنفوس صابرة قوية. . . فلها أن تعمل وترضى وتنقاد
إذ الرجل عندهن هو الجواد الأخير في عربة الحياة. . . ومتى فرشت دار الفقير بحصير فهذا هو بساطها وسجادها الفاخر!
بيد أن الشاعر والأديب وكاتب الصحف لا يرون على فقرهم إلا البساط والسجاد الفاخر والحشايا. . .!
فهؤلاء فقرهم هو الفقر، ما دام لأنفسهم، فإن اتصل بالمرأة التي تصلح زوجة لهم - أو تكون قريبة من أن صلح - لم يكن فقراً فحسب، بل فقراً وظلماً وبلاءً إنسانياً أسود. . . ومن ثم لا يتزوجون. وهذه ناحية من العدل في ذلك الفقر العاقل المميز الذي يحترف الأدب والشعر والفلسفة والكتابة في الصحف. . . فليس هنا طبيعة عبقرية ولا شعر، وإنما ذاك عمل النفس الطيبة لا غير. . .!
ولكنك واجد منهم من ينتحل العبقرية، ويقلد الشاعر الفحل والعبقري الكريم. وهذا شخص مضحك فإن الملك لا يكون بالتمثيل على خشبة المسرح. أما الشاعر الحق والعبقري الصحيح، فكلاهما واحد من ثلاثة:
الأول - أن يكون من مؤنثي الرجال، قد خلق كذلك، أو عرضت له آفة تنقص الفحولة فيه