للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أو تمحقها محقاً. . . وهذا معه عذره البين

والثاني - أن يكون رجلاً قد طغت فيه الحياة طغيانها العصبي الشديد المجتاح، ثم يكون الفن طاغياً فيه طغيانه الخيالي العنيف التمرد - وهذا لا يصلح زوجاً ولا تصلح الزوجة له؛ فإنه إنما يرد المرأة المغلة، كأنها ضيعة من الفن الحي تغل عليه من ريعها وثمراتها. . . وقد أبى الشيطان لعنه الله أن يكون المرأة المغلة في الفن إلا امرأة محرمة. . . ومتى كان الشيطان في الأمر استطاع أن يجعل لكل امرأة فنا على حدة. . .!

ومن ههنا فسوق الكتاب والكثرة من العباقرة. وهذا سر تعزبهم وانصرافهم عن الزواج أو انصراف الزواج عنهم. وهؤلاء بركة على الفن، ولكنهم بلاء على الدين، وعلى الفضيلة، وعلى النسل، وعلى الإنسانية كلها. . . ومن سخرية الحياة بهم أن يكون العبقري العظيم فيهم هو من ناحية أخرى الحيوان العظيم. . .! وليس إبليس مغفلاً ولا أحمق فيتخذ له أدوات من المساجد والكنائس، ويشتغل ببيع السبح والتعاويذ للمصلين، بل هو كما يتخذ المرأة من المومسات في موضعها. . . يتخذ الرجل من أولئك في موضعه أيضاً. وهذا شأن ظاهر

أما الثالث - ففي رأيي أنه خير الزواج جميعاً - ولن تجد المرأة خيراً منه وهو العبقري إذا كان تام الفحولة، وكان ذا دين يمسكه وضمير يردعه، فهذا يكون الحيوان الذي فيه قيده، ويكون شذوذه كالليل الممتاز في ليالي الشهر يأتي ظلامه وفيه البدر

نعم إن هذا العبقري قد يخسر أشياء من وسائل الفن، ولكنه مستعيض عنها بخياله، ويشعر بها محروماً أكثر مما لو نالها. ثم إن الفن ليس في جميع أدواره وأغراضه تخنيثاً للحياة ولا تفككا وخلاعة ورقاعة

هناك ما هو أسمى من كل أعمال العبقري. . . هو إيجاد فضيلة عبقرية. . .!

مصطفى صادق الرافعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>