للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أثر المدرسة المصرية في الثقافة]

للأستاذ ثروت أباظة

(تتمة)

وهكذا يدخل المدرس إلى الفصل وقد كتب عناوين درسه باللون الأحمر والتاريخ باللون الأزرق. ثم هو يلقي ما تقرر عليه أن يلقيه، ثم هو يسأل فيثور ويغضب أو يسر فيمدح

لا يهمه فهم التلاميذ الدرس أو لم يفهموه. . فلقد أدى ما أرادت وزارة المعارف أن يكون واجبه، أما الفهم وعدمه فلا شأن له، فإنما يختص بهذا - في رأيه - عقلية التلميذ فيطمئن نفسه أن الذكي منهم سيفهم والغبي لن يستطيع أن يفهم وإن رزق صبر أيوب

وواضح أن هذا الرأي إنما هو مخادعة للنفس، فقد استقرت معظم الآراء على أن الغباء المطلق غير موجود أو يكاد ينعدم، فلو فهم الأستاذ هذا فحاول أن يتعرف الناحية الذكية في تلميذ فيعالجها، ولكن هذا مرة أخرى سيعود به إلى ضميره ليحاول أن يرضيه، ومرة أخرى سيغاضبه المفتش والناظر فيغاضب عيشه وحياته

والطامة الكبرى أن يشعر المدرس أن المادة التي يدرسها لا تتلاءم وميول بعض التلاميذ، ولا شك أنه في هذه الحالة سيدير بذهنه أن الأمر إذا استقر على عدم ميل التلاميذ إلى مادته ونفورهم قد يكون مجلبة للشر موجها إليه، فإن الإدارة لا تفهم معنى ملاءمة أو عدمها بالنسبة للتلاميذ. وإنما تفهم أن مدرسا ما قد أحسن. فأنجح تلاميذه أو أن آخر قد أساء فأسقط، وإنما تبعا لأوامر وزارة المعارف نعذره إذا غضب من هؤلاء التلاميذ. وتجلى غضبه في الثورة بهم والإساءة إليهم حتى لا يضطر التلاميذ الذي لا يميلون إلى هذه المواد إلى حفظها فهموها أو لم يفهموها. فإنما أمنياتهم لا تمتد إلى أكثر من رضاء المدرس عليهم. وإذا شاء سوء حظ تلميذ ما ألا يحفظ إلا ما يفهم. فمصيره لا شك أن يعبر بفشله من إخوانه الببغاوات وأستاذه الثائر. فتنعقد العقدة في نفسه. ويعتقد أنه شخص فاشل في الحياة وإن لم يتداركه الله برحمته. فمصيره الفشل في كل أمر يتولاه. ولو قد فهم الأستاذ كيف يعامل هذه العجينة اللدنة في يديه. وكيف يشكلها صحيحة مبرأة من العقد. ولو عرف الأستاذ كيف تنطمس ميول تلميذه حتى يعرفها. ثم يوجهها إلى الطريق القويم. ولو عرف الأستاذ لانبثق لنا جيل مقبل على عمله حتى وإن كان فاشلا في الدراسة. فما الدراسة بدليل

<<  <  ج:
ص:  >  >>