النجاح في الحياة، وإنما هي فرع من فروع هذا النجاح، وليس حتما أن يفشل في الحياة كل كاره لناحية من نواحي هذه الحياة. وأن المستقرئ لحياة العظماء في الشرق والغرب يدرك كم نبغ في الفنون والعلم أناس فشلوا في المدرسة. ومن الناحية الأخرى ليس حتما أن ينجح في الحياة كل ناجح في المدرسة، وهذا قول ما أظنني في حاجة إلى التدليل عليه. فالشواهد أكثر ومن أن تعد. رحم الله شوقي الخالد حين يقول
وكم منجب في تلقي الدروس ... تلقي الحياة فلم ينجب
لا شك أن في أخذ التلاميذ بهذه الشدة في التدريس كبتاً لأرواحهم الحرة المرحة. فهم لا يشبعون رغباتهم من ناحية الميل الثقافي وهم لا ينطلقون إلى اللعب إلا وعلى أكتافهم واجبات من المدرسة، وفي آذانهم توجيه آبائهم، وسخرية أساتذهم. .
والضحك غريزة لابد يتنفس عنها المرء. وما دامت الحياة المدرسية لا تفسح له المتنفس مبرأ من الشوائب. فهم معذورون إذا شاكسوا الأستاذ في أثناء الدرس وعذرهم لا يبرر عملهم. إذ أنه أمر لا يجب السكوت عليه، لأنه يعودهم ألا يأخذوا من الحياة ناحية جدية، ولكن الطريقة التي يعاقبون بها تزيدهم إصراراً على الضلال، وما كان الضرب أو الطرد بوسيلة ناجحة في يوم من الأيام لأنها إذا أصلحت المظهر؛ فهي لم تصل مطلقا إلى الجوهر، وإن وصلت فبعقدة نفسية أخرى من الخوف فتزداد المشاكل، وتصبح نفسية الطالب أشبه شيء بشبكة الصياد لا تحل إلا إذا قطعت
وقد يظن البعض أنه وإن كانت المدرسة ملومة في هذا فالبيت ملوم معها؛ لأن أكثر الآباء يبنون معاملتهم لأولادهم على الشهادات التي تصل إليهم من مدارسهم. والشهادات كما بينت لا تدل على حقيقة عقلية التلميذ؛ وإنما هي في الأغلب تدل على أن هذا التلميذ يجيد الحفظ، وهذا الآخر لا يجيده. والأب إزاء ما يرى من شهادة ابنه لا يهتم مطلقا بمعرفة العلوم التي يميل إليها ولده. وتلك الأخرى التي لا يميل إليها فيعالج الأمر بما تقتضيه الأبوة الرحيمة وقواعد التربية الحديثة. بل هو يسارع فيسب ابنه إن لم يضربه؛ وإن غلا في العطف عليه أحضر له مدرسا خصوصيا يلقي إليه التلميذ بجهله راجيا منه أن يزيله. قد يظن البعض أن الآباء في هذه ملومون؛ ولكنني أعتقد أن لهم فيما يفعلون عذرا. فإنما أملهم أن يتسلح أولادهم بالشهادة يجابهون بها الزمان. فإن أحضروا المدرسين يقومون بهم