للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العقيدة]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

غذاء القلب وطمأنينة الروح، ملجأ الضعيف وسلاح القوي. هي حقيقة امتزجت بحلاوة الخيال، أو خيال لبس أحياناً ثوب الحقيقة. وما هذا الخيال وتلك الحقيقة إلا صرح كثيراً ما شدناه بأنفسنا لأنفسنا كي نكمل ما في عالم الواقع من نقص، ونحقق بعض ما نصبو إليه من ميول وآمال. فإن ما فينا من قلب خافق وعواطف متأججة، ينزع إلى أماني ورغبات لا حصر لها. ولذتنا في تصور هذه الأماني وسعادتنا في السير وراءها. فإن لم نجد السبيل إلى تحقيقها حيث نرى ونسمع رسمنا لها مملكة سامية فوق مملكة الحس والمشاهدات، وآمنا بها إيماناً لا يقل عن إيماننا بالمرئيات والملموسات. على أن ما فينا من عقل يحلل ويبرهن ويعلل يدفعنا إلى الاعتقاد والاستمساك بآراء نتعصب لها وندين بها. فالعقيدة حاجة إنسانية وأثر من آثار قوى النفس على اختلافها. وهي فوق هذا ضرورة اجتماعية وركن هام من أركان التعاون والارتباط. ولا يمكن أن تتصور جمعية بشرية لا يخضع أفرادها لمبدأ واحد وعقيدة مشتركة. واتحاد الدين والعقيدة من أول الخصائص التي يتميز بها الشعب والأمة. وليست العقيدة المتحدة مجرد رمز وشارة للأمة فحسب، بل هي مصدر تأثير كبير وقوة لا نهائية. هي مبعث حرارة تدفئ القلوب فتدفعها إلى الأمام وتملؤها بالأمل والرجاء. ومستودع كهربائية عظمى يرسل في الأفراد ما يرسل من موجات سالبة وموجبة فيتجاذبون ويأتلفون، ويلتقون عند غاية واحدة وغرض أسمى. وإنا لنسير في الحياة غالباً بدافع من عقائد مختلفة بين دينية ووطنية وعلمية وفلسفية. والعقيدة كالأمل الحلو إن لم تبلغك الغاية فقد آنستك ونعمت بها زمناً. على أنها في ساعة الفشل خير عزاء، وعند اشتداد الخطب أقوى ركن تطمئن إليه إن وهنت الأركان كلها. وإذن فالعقيدة للفرد عون ونصير، وللجمعية باعث ومثير وهاد ومرشد

ومن حسن حظ الإنسانية أن المرء ميال إلى الاعتقاد بفطرته، ومدفوع إليه بغريزته؛ فالتسليم أصلي والشك عرضي، ولا أدل على هذا من أن حياة الإنسان الأول كانت سلسلة من العقائد يرتبط بعضها ببعض، وقد توارثها الخلف عن السلف وأذعنوا لها دون بحث وتعليل. والطفل وهو صورة مصغرة للإنسانية في أول نشأتها يسلم بكل شيء يلقى إليه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>