للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عاقبة سليمة]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

لم يتفق الناس إلى الآن على وسيلة يدفع المرء بها عنه ثقيلا يتصدى له، ويلح عليه بما لا يسعه أن يجيبه إليه، فالأمر متروك إلى صدق الروية، وسرعة الخاطر، وحسن البديهة، ولكل موقف ما يقتضيه، ويدفع إليه ويغري به، والذي يلهمه الواحد في موقف لا يلهمه واحد آخر في الموقف عينه؛ فإذا بدا لي أو لك ما لجأ إليه (حامد) غريبا أو شاذا أو غير لائق، فلا تلمه ولا تنع ذلك عليه، فان عذره أنه لم يخطر له سواه، وأن الموقف كان يتطلب السرعة واتقاء الجدل، فقد كان - كما لا تعلم - في قهوة (الحمام) - بفتح الحاء - وكانت معه (فريدة) (وهي بنت عمه، وكان بينهما من الود أكبر مما يكون في العادة بين ذوي القربى؛ وكانت تنطوي له على حب هادئ، وتحس - بفطرتها الذكية - أنه يصبو إليها، ولكنها كانت تراه لا يصارحها بشيء ولا يبثها أمرا، ولا يدع لفظا أو عملا يشي بهواه هذا، فجنحت إلى الشك، ثم يئست. ولما تقدم أحد أغنياء الريف يخطبها، أغرت أباها بالتلكؤ، لعل حامدا يتحرك، ولكنه لم يفعل. فقالت لنفسها إذا لم أتزوج من أحب، فانه لا يبقى أمامي إلا زواج المال والوجاهة. . . وهكذا حدث، أعني أنه لم يحدث، وإنما احتفل بقبول هذا الوجيه الريفي، وبتقديم (الشبكة) إلى عروسه المستقبلة، على أن يكون العقد ليلة الجلوة

ومضت أيام، والتقى حامد بها خارجة من متجر كبير، فخفت إليه وهو يهم بركوب سيارته وسألته:

(لماذا هذه الجفوة؟)

فضحك وقال: (الجفوة؟ إنما أفسح لمن هو أحق مني)

فتلفتت ثم قالت: (سأصرف سيارتي وأركب معك، فهل تقبلني؟)

قال: (ليس لي خيار، أنك كهذا الهواء، لا غنى عنه)

قالت: (أشكرك) وصعدت إلى جانبه وأشارت إلى سائقها أن ينصرف. وسألها حامد:

(إلى أين بنا؟)

قالت: (إلى مكان فيه هواء، وطعام، فإني جائعة وحرى)

<<  <  ج:
ص:  >  >>