فمضى بها إلى قهوة الحمام على النيل؛ فأكلا شيئا وشرب هو قدحا من البيرة - أو الجعة كما تسمى - وقالت له على الطعام (لماذا لم تهنئني؟)
قال:(أهنئك من أعماق قلبي، ولكن بأي شيء؟)
قالت:(بخطيبي - ثم إنك لم تحضر - لماذا؟)
قال:(آه صحيح، مبروك! لقد سمعت أنه غني جدا، ووجيه في بلده)
قالت:(نعم، إن غناه مضاف إلى غناي خليق أن يساعدني على ما يميل إليه طبعي من البذخ والترف. صحيح، فإني لا أطيق الفقر، ولا أستطيع أن أحيا حياة رقيقة الحال)
قال:(أعرف ذلك - أو أنا على الأصح قدرته)
فحدقت في وجهه فقال:(نعم، لقد انتهى كل شيء الآن فلا ضير من الصراحة، ومن الممكن أن أكاشفك بالحقيقة. . .)
فقاطعته وقالت:(هل تعني أنك. . . .)
ولم تتمها، فقال:(نعم، قدرت أن لا أمل لي، فأن عمي غني وأنا فقير، وقد عطفه علي أني ابن أخيه)
فقالت:(ولكنك لست بفقير!)
قال:(أعني نسبيا. . كل ما أكسب بعد الجهد والعناء ستون جنيها في الشهر. وما خير في ستين لمن تنفق وحدها - وهي فتاة في بيت أبيها - أكثر من هذا القدر؟)
فلم تقل شيئا، وفتر الحديث بعد ذلك، وصار متقطعا، وإن كان حامد لم يقصر في توجيهه إلى كل ناحية تخطر بالبال. ثم قاما، وإنهما ليتخطيان باب القهوة وإذا بفريدة تشد على ذراع حامد وتقول بصوت يكاد يكون همسا:(حامد! هذا هو!)
فتلفت وهو يسأل:(من؟) ولكنها ذهبت تعدو إلى السيارة وفتحت الباب الخلفي وأغلقته وراءها، وانطرحت على أرضها - لا مقعدها - فأهمل حامد السؤال والجواب، ودخل سيارته وأدر المحرك، ولم يفته أن يحكم إيصاد الأبواب حتى لا يفتحها أحد من الخارج، وأسدل الستائر الخلفية فاستحال أن يرى أحد فريدة وهي راقدة. ولم يكن حامد يعرف ممن تجري ولا كان يدري ما يخفيها ويدفعها إلى التخفي، وإنما كان يدري أنها تريد ذلك، فعليه أن يكون عونا لها