[ليالي القاهرة]
للدكتور إبراهيم ناجي
أليلايَ ما أبقى الهوى بيَ من رُشْد ... فرُدِّي على المشتاق مهجته ردِّي
أينسى تلاقينا وأنتِ حزينة ... ورأسك كابٍ من عَياء ومن سهد
أقول وقد وسدتُه راحتي كما ... توسد طفلٌ مُتْعَبٌ راحة المهد
تعالي إِلى صدر رحيب وساعد ... حبيب وركن في الهوى غير منهد
بنفسي هذا الشَّعر والْخُصَل التي ... تهاوتْ على نحر من العاج منقدِّ
ترامتْ كما شاءتْ وشاَء لها الهوى ... تميلُ على خدٍ وتصدفُ عن خَدِّ
وهذي الكرومُ الدانياتُ لقاطف ... بياضَ الأماني من عناقيدها الرُّبدِ
فيالكَ عندي من ظلامٍ مُحَبَّبٍ ... تَأَلَّقَ فيه الفرقُ كالزمن الرغد
ألا كلُّ حسنٍ في البرَّية خادمٌ ... لسلطانة العينين والْجِيد والقدِّ
وكل جمال في الوجود حياله ... به ذلة الشاكي ومرحمةُ العبدِ
وما راع قلبي منكِ إِلا فراشةٌ ... من الدمع حامتْ فوق عرشٍ من الوَجد
مجنحةٌ صيغتْ من النور والندى ... ترف على روض وتهفو إِلى وِرْد
بها مثلُ ما بي يا حبيبي وسيدي ... من الشجن القتَّال والظمأ المردى
لقد أقفرَ المحرابٌ من صلواته ... فليس به من عابد ساهر بعدي!
وقفنا وقد حان النوىَ أي موقف ... نحاول فيه الصبر والصبر لا يجدي
كأن طيوف الرعب والبيْن موشكٌ ... ومزدحِم الآلام والدمع في حشْدي
ومضطرب الأنفاس والضيقُ جاثمٌ ... ومشتبكُ النجوى ومعتنق الأيدي
مَواكبُ خرسٌ في جحيم مؤبَّد ... بغير رجاء في سلام ولا برْد!!
فيا أيكةً مَدَّ الهوىَ من ظلالها ... ربيعاً على قلبي، وفيْئاً من السَّعد
تقلَّصتِ إِلا طيفَ حب محيَّر ... على درَجٍ خابي الجوانب مسودِّ
تردَّد واسْتأْنَى لوعد ومَوْثق ... وأدبرَ مخنوقاً وقد غصَّ بالوعد
وأسلمني لليل والقبر باردا ... يَهُبُّ على وجهي به نفَس اللَّحد
وأسلمني لليل والوحش راقدا ... تمزقني أنيابه في الدجَى وحدي